الفصل الأول
مغزى زهرة اللوتس 🔗
الرؤيا – عبر استخدام النظر، والرؤية – عبر إدراك الفكر
هل يحمل مانراه في الطبيعة معنىً ضمنياً أعمق مما نظن حوله للوهلة الأولى؟ هناك فارق بين رؤيتنا عبر حاسة البصر (للشكل الخارجي لظاهرة ما)، وبين الكنه الخفي لها، (أو معناها الذي توحيه لنا في الفكر). ذلك أن الرؤيا عبر البصر سريعة الحكم عمّا نراه. أمّا التمعن الأعمق، فهو ما يمكننا من الاستدلال والفهم لابعاد تتخطى الشكل السطحي لما نراه
فمثلا: لدى مراقبتنا لكيفية نمو النباتات في الطبيعة، وما يجري من تغير في لون ثمارها، نلاحظ نمطاً واضحاً في تغّير لون ثمار فاكهة ما من الأخضر الى البرتقالي الى الأحمر، إشارة الى مراحل نضجها ومذاقها. هذة الملاحظة السطحية حول لون الثمار تحمل ضمناً رسالة ومعنى، فهي إعلان الى الطيور ودعوة الى تناولها غذاءً لها مناسباً. وفي ذلك مصلحة متبادلة: لأن الطيور تساهم في نشر بذور الفاكهة الى أماكن أبعد مما يزيد في امكانية انتشار النبات.
كان هذا مثالاً بسيطاً للاشارة الى أن رؤيتنا للون فاكهة ناضجة يمكن ان يتخطى مجرد ما نراه من الشكل الظاهري لها - ليدلّ الى استقراء لأمور ذات ابعاد أعمق أو علاقات غير مرئية لنا مباشرة.
ولربما يكون الانطباع الأول لدى رؤيتنا لزهرة اللوتس هو جمال تكوينها. ولكن، أليس هناك جمال في كل الورود؟ إن عنصر الجمال مرئي في الطبيعة بشكل طاغ. صحيح ان جمال اللوتس في اللون والشكل والرائحة العطرة يشاركه جمال الكثير من الورود – ولكنها تتفرد بعدد من العناصر المميزة.
من أول ما يسترعي الانتباه هو بزوغ اللوتس برونق وبقوة حيوية من ضمن مستنقع راكد ساكن كالموت ليس فيه مايدل على الحياة. كذلك فان احساس اللوتس بشروق الشمس وغروبها أمر يثير الشغف - اذ أنها تغلق أوراقها قرب الغروب وكأنها تتحضّر للإخلاد للنوم، ثم تفتح اوراقها مستيقظة عند الفجر(*). ومما يثير الاستغراب أيضاً هو ان أوراق الزهرة تظل صافية نقية من الأوساخ، حيث تنزلق شوائب المحيط من سطح الاوراق دون أن تعلق بها – وقد نالت هذة الميكانيكية في التنظيف الداخلي استخداما في بعض المنتجات الصناعية، مثلا في تصميم سطوح لايعلق عليها الغبار أو الماء المتسخ. هذة التطبيقات الفيزيائية ذات معنى وفائدة طبعاً، ولكن هناك خواص أكثر عمقاً تشير إليها مراحل نمو الزهرة من بدايتها كمجرد بذرة الى تشكيلها النهائي. هذة الخواص التي تجسدها زهرة اللوتس هي ماحرّك انجذاباً فطرياً في الفكر لدى حضارات مختلفة - للتكهن بالمغزى الذي تمثله اللوتس، والتي تبدو وكأنها مصدر إيحاء لمعانٍ مرغوبة وذات فائدة.
مبدأ عدم التأثر بظروف المحيط العكر 🔗
يكاد لايخلو مصدر عن زهرة اللوتس من الإشارة إلى وصفها بالصفاء والنقاء. ورغم أن هناك من دون شك كثيرمن الورود والأزهارالتي تبدو نقية، ولكن نقاءها ذاك يتعلق بالظروف المحيطة - خلافاً للوتس التي تظل في صفاء رغم الوحل المحيط ، (والذي في نفس الوقت لايمكن لها أن تحيا بدونه).
هذة الخاصية في استخدام اللوتس للوحل لتحويل مواده إلى غذاء (تبني عبره كيانها الحيوي الجمال) - تؤخذ مجازاً لإرشاد الفكر الإنساني إلى مبدأ روحي هام. ألا نشعر أحياناً أننا نحيا ضمن ضغوطات المحيط في وحل من الظروف والعلاقات الهدّامة؟. مالعمل في مثل هذا الوضع؟ إنه من مصلحتنا آنذاك اتباع مبدأ اللوتس في استخدام الظروف والصعوبات التي نجابهها بالذات كمادة لنا لاستهلاكها بحكمة لأجل النموّ عبرتحويلها ألى أوضاع مفيدة.
يعتبرمبدأ " تحويل جو الفوضى والإتساخ إلى جو النظام والنقاء" - اتجاهاً أساسياً في الفلسفة الشرقية. فعوضاً عن التذمرّ والتشكّي يمكن رؤية مشاكل المحيط على أنها في الواقع مفيدة للنمو الذاتي، بل وضرورية لأجل المتانة وتقوية الذات. لذلك فإن اللوتس تؤخذ رمزاً لمبدأ “ألتحول” Transformation من الواقع السيء الى ماهو أفضل. وفي هذا إيحاء بأنه عوضاً عن اتهام الظروف أوالتشكّي من ضغط المحيط، يجب العمل الهادف لتغيير الوضع إلى أفضل.
يشير هذا الإيحاء بإمكانية “التحول إلى الأفضل” في واقع العلاقات الإنسانية إلى ما يدعى بمبدأ “تحويل السم إلى دواء”(*) أي باستخدام نفس المشاكل التي نجابهها كما لو أنها الدواء المر المذاق الذي عبره نجد شفاءً وحرية من المعاناة.
النتيجة تحوي السبب الذي أدّى إليها 🔗
حين تنمو زهرة الوتس إلى تفتح كامل، فهي تفرز حينئذٍ في مركزها البذور.
ففي مرحلة بلوغ الزهرة أوجها النهائي، عند ذاك بالذات تبدأ حاملة البذور في مركزها (وهي حاوية صفراء - ذهبية اللون) بإفراز مابداخلها من البذور، التي كان قد تم تلقيحها.
إن الزهرة الكاملة هي “نتيجة” لبذرة سابقة كانت “السبب” في وجودها. ومجرد توارد ظهور البذور الجديدة مع الزهرة الكاملة معاً في نفس الوقت – يشير إلى مبدأ التلازم بين السبب (البذور) والنتيجة (الزهرة) معاً في آن واحد في لوحة رائقة التكوين. كذلك، يمكن اعتبار وصول الزهرة الكاملة إلى البلوغ “سبباً” أدى إلى “نتيجة” هي إفراز البذور من الحاوية المركزية لأجل النموّ اللاحق (*).
توحي هذة الخاصيّة الفريدة للوتس بالإشارة إلى وجود رابط حتمي بين فعل ما ونتيجته اللاحقة. فكما نلاحظ في كيفية حدوث الأمور، يتمّ حصول حادث ما بفعل من سبب معيّن يحصل أولاً ثم تتلوه فيما بعد النتيجة اللاحقة. ومهما طالت الفترة بين السبب والنتيجة، فإن الرابط بينهما حتمي ولايعيق مطلقيته شيء.
وحدة السبب والنتيجة 🔗
يبدو بزوغ البذور وضوحاً من مركز الزهرة الناضجة وكأنه إعلان منها عن السبب الذي أدّى إلى وجودها، أي وكأنه إشارة ذات مغزى عن علاقة السبب بالنتيجة.
في الواقع، فإن كل مايجري من أمور في الحياة يتم حسب علاقة السبب بالنتيجة، والتي تشكّل نسيج الأحداث الحياتية (بل وكل الظواهر الطبيعية أيضاً ).
ولاشك في أن أهم ما يحكم أو يحدد حياة الفرد هو العلاقة بين ما يفعله الفرد بالتبعات التي تحصل في الواقع (من جرّاء الأفعال المرتكبة).
أما الفترة الزمنية بين حصول “السبب” في فعل ما - وحصول “النتيجة” أو تبعات ذلك السبب - فهي تتعلّق بالظروف المتوفّرة. ويمكن أن تكون الفترة الزمنية (بالنسبة للمراقب) طويلة أوقصيرة حسب تواجد الظروف.
ولكنّ التلازم بين السبب والنتيجة لايتعلق بالزمن، إذ أنه خاصيّة (أو قانون) ذو طبيعة حتمية مبتوت في مطلقية حصولها مهما كانت الفترة الزمنية التي تتطلبها الظروف. وهذا ما هي عليه كل القوانين العلمية والتي نلاحظها مباشرة.
كذلك، فإنّ هذا بالضبط ماتشير إليه اللوتس في تبيانها لظهور السبب في وجودها (البذور) والنتيجة (الزهرة الكاملة) معاً - في آن واحد - كما لو أن الزمن بينهما قد زال، أو انه “لاانفصال بينهما” - كرابط حتمي مطلق يتخطى الزمن.
وتجدر الإشارة أن اللوتس لدى مرحلة الموت اللاحقة (بعد اكتمال تأججها كزهرة كاملة) تقوم بقذف بالبذور الى الوحل المحيط والذي كانت منه تتغذى، وذلك لكي تنموالبذور فيما بعد – ايحاءً بآلية تجدد دورة الحياة والموت.
كل ظواهر الطبيعة تعبيرعن سلسلة أحداث يمكن وصف آلية حدوثها عموماً على أنها: أسباب تؤدي إلى نتائج. وهذا مايجعل قانون “تلازم السبب والنتيجة” قانوناً ينسج أحداث الوجود ومبدأً تسري عبره الطبيعة الفيزيائية بكل ظواهرها.
يمكن القول أن العلوم بكافة مجالاتها قائمة اساساً على اكتشاف رابطة الأسباب والظروف بالنتائج - في دراستها لديناميكية الظواهر.
وليس هذا فحسب، إذ أن العلاقات الإنسانية بمجملها تعبّرعن ترابط الأسباب التي نقوم بها (كالتصرفات والأقوال) - مع النتائج النفسيّة الحاصلة تبعاً لذلك. إن كلمة تقال بدفء وقلبية تترك انطباعاً مختلفاً عن كلمة تقال بعدوانية وتكبّر.
أليس أول ما يتساءل الفرد منا حين يصاب بمأزق كبير أو بمعاناة : “لماذا؟ - لماذا قد حصل هذا لي؟” - أي أن كنه السؤال هو: “ما هو السبب؟”. هذا يعني أن الفكر يتوق الى معرفة رابطة السبب بالنتيجة.
بذلك، فإن " قانون التلازم والحتمية بين وقوع الأسباب وحصول النتائج " – إنما قانون كوني شامل للطبيعة الحيّة وغير الحيّة.
الوضع الحاضر وليد الماضي 🔗
ضمن هذا الهاجس العقلاني الهام حول معرفة رابطة السبب بالنتيجة، تثير ظاهرة اللوتس جاذبية فكرية الى مغزى فائق الأهمية: إن النتيجة الحالية لوضع الفرد لا تنفك عن سبب كان قد قام به الفرد سابقا، أي أنه هو الذي قد تسببّ في الوضع الحالي الذي يحياه - بما يعاكس مبدأ رمي التهم على الآخرين أو الظروف. إن الوضع الذي نحياه - إن كان معاناةً أو استمتاعاً - ليس مصادفة.
ومايحصل في حياتنا ليس مبرمجاً من الخارج بدون مشاركتنا فيه بشكل أو بآخر. وفي هذا المنحى من الملاحظة، فإن زهرة اللوتس تبدو وكأنها اعلان أو اشارة من الطبيعة ذات مغزى ومعنى للفكرالانساني حول قانون ترابط السبب الماضي (والمنسي عادة) لما كنّا قد قمنا به - بالنتيجة الحالية الحاضرة.
وهذا يعني أيضاً ترابط السبب الحاضر للفعاليات التي نقوم بها حالياً بالنتيجة المستقبلية لها (أي يعني مسؤوليتنا عن حصول الأحداث القادمة).
فإذا كان الوضع الحاضرالآن نتيجة لأسباب حصلت في الماضي، اذن فالمستقبل هو نتيجة قادمة للأسباب التي نقوم بها حاليّاً في الحاضر. أي أن حال الزمن الحاضر في هذة اللحظة يحوي ضمناً الوضع الماضي (الذي كان قد تسبّب به) وفي نفس الوقت يشير أيضاً إلى المستقبل (والذي هو مسرح قادم لنتائج الفعاليات الجارية حالياً).
ولأجل الوضوح في التفكير حول “لماذا تحصل الأحداث؟” – يتوجبّ التفريق بين السبب أوالدوافع التي تسيّر إلى الأحداث، وبين الظروف الخارجية المساعدة.
الفارق بين “السبب الضمني” و"الظروف الخارجية" 🔗
ليس من شكّ في أن هناك “عوامل خارجية” تساعد على حصول الأحداث. ولكن العوامل الخارجية – بحد ذاتها – ليست “السبب” في حصول الأحداث.
ولأجل اتقاء المغالطة والتهرّب، لابدّ من الإدراك الصادق أن كثيراً من المشاكل والمعاناة في الواقع الحياتي تنجم عن إلقاء التهمة على الآخرين أو على الظروف المحيطة في كونها “السبب” فيما يحصل من أمور، بينما يكون السبب الحقيقي في حصول تلك الأمور موجود ضمناً في داخل من يستدعي ويجذب العوامل الخارجية، متسبباً في وقوع الأحداث.
وكمثال يوضّح الفارق بين “السبب” و"الظروف"، يمكن الإشارة إلى ظاهرة نمو النباتات: فالسبب الحقيقي الدافع إلى النمو هو وجود البرنامج الداخلي ضمن الحمض النووي في البذرة. ولكن هذا السبب بحاجة إلى ظروف خارجية مواتية مثل التربة الجيدة والرطوبة وضوء الشمس. على أنّ هذة “الظروف” الخارجية مجتمعة هي مجردّ كونها عاملاً مساعداً - وليست “سبباً” بحدّ ذاتها يستدعي “النتيجة” – (والتي هي نمو النبتة إلى زهرة مثلاً). فعلى مثال اللوتس، تعتبر البذور"السبب الضمني" في نمو وتواجد لاحق للزهرة، بينما يشكّل وحل المستنقع “الظروف الخارجية” الضرورية. وبالطبع، مهما كان هناك من وحل خارجي – إذا لم يتوفرّ وجود السبب الضمني (والذي هو البرنامج الداخلي للبذرة) فإن الزهرة لن تتواجد .وهذا المبدأ في حصول الأحداث صعب تقبّله في محيط فكر لايدرك - أو لايريد أن يدرك - السبب الحقيقي في حصول الأمور.
لذلك يتجّه الكثيرمن الناس إلى اتهام الوحل الخارجي على أنه السبب فيما يحصل لهم من أوضاع، دون ادراك أن الوحل قد انجذب إليهم بفعل من سبب داخلي ضمنهم، وأنّه من مسؤليتهم الخاصّة أصلاً معالجته.
هل يمكن تغييرالمصير؟ 🔗
كما يمكن لنا إدراكه من خلال مراقبة الظواهر ومجريات الأمور فإن هناك حيّز زمني تستغرقه العملية التي تحدث بين القيام بالسبب في وقت معين، وولادة النتيجة التابعة للسبب لاحقاً. هذا الحيز الزمني يشير إلى أمر في بالغ الأهمية:
بما أن هناك فرصة زمنية بين بدء الفعل ونتيجة تأثيره، إذن يمكن لنا التدخل ضمن هذا الحيَزالزمني بإجراء معين بهدف عرقلة العملية الجارية وإيقاف استمراريتها أو تغيير اتجاهها.
فمثلاً، لنفرض أن لدينا سلسلة من قطع الدومينو. إذا بدأ الفعل بحركة مبدئية دفعت القطعة الأولى إلى الوقوع، فهذا مايمكن تسميته ب"السبب الأولي" لتتالي تساقط القطع التالية فوق بعض، في تسلسل ينتهي بسقوط القطعة الأخيرة حتماً. أي أن النتيجة النهائية للعملية محكومة بمصير هو سقوط القطعة الأخيرة دونما شك في ذلك، الأمرالذي يمكن التحقق منه عملياً.
ولكن، إذا جرى تدخل مباشر في سريان العملية بين السبب والنتيجة التابعة له، فإن النتيجة النهائية سوف تتغيّر. يمكن مثلاً إجراء حركة ما لإيقاف التساقطات، أوالقيام بإزلة أحد القطع في السلسلة بما يمنع وقوع القطعة التالية – هذا التدخل كفيل بالتسبب في تغييّر في مصير القطعة الأخيرة التي عوضاً عن وقوعها (كما كان متوقعاً لها قبل إجراء التدخل أثناء العملية الجارية) ستظل واقفة في مكانها دون وقوع. أي أن “المصير” في هذا المثال ليس حتماً، بل يمكن التدخل لتغييره إلى ماهو مناسب.
دورة الحياة والموت ثم الولادة من جديد 🔗
تتميّز زهرة اللوتس بخاصية “التلقيح الذاتي” لتوليد البذور، التي تنشرها قبل موتها في أعماق الوحل، وذلك في دورتها الحياتية لأجل البزوغ من جديد.
تجتمع في زهرة اللوتس الخواص الذكرية والأنثوية معاً في احتوائها على مستقبلات أنثوية في مركزها يحيط بها تكاثف ذكري مليء بالطلع الأصفر الذهبي اللون. ولأجل إتمام الإلقاح بين المستقبلات الأنثوية وغبار الطلع الذكري تحتاج الزهرة إلى استدعاء عون خارجي من الحشرات تستدرجها إليها بإصدار عطر فوّاح يترافق مع ارتفاع حرارة ألياف الزهرة مشكلّة بذلك حقلاً من الدفء.
ففي اليوم الأول لتهيّجها للإلقاح، تقوم اللوتس برفع درجة حرارتها لجذب حشرة البيتل لتدخل ضمنها. ثم تغلق بعد ذلك أوراقها عليها بالكامل طوال الليل، تاركة لحشرة البيتل المجال لنهل غذاء من البروتين يوفره غبار الطلع الذكري الوافر والذي يعلق في اجنحتها وأطرافها. وبسبب تحرك حشرة البيتل يتم تلامس المورثات الذكرية مع المستقبلات الأنثوية للزهرة، ويحصل الإلقاح.
ينجم عن الإلقاح تشكلّ البذور التي تتموضع في حاوية كالمهد (*) في مركز الزهرة. وبعد يوم من ذلك يتم اكتمال تشكّل الزهرة، التي تتحول إلى ذكرية الخواص. وما تلبث أن تذبل أوراقها وتموت وهي تلقي بالبذور الملقحة في الماء، لتنغرز في الوحل لبدء دورة حياة جديدة من التفتّح، فالإلقاح ثم الموت ثمّ الولادة من جديد.
خاصّية التنظيف الذاتي 🔗
استأثرت خاصية زهرة الوتس في زلق الأوساخ من سطحها دون أن تعلق بها أي شائبة - على اهتمام الفنيين في صناعة سطوح لا يعلق عليها الغبار. وبعد دراسة مجهرية لتركيب سطح زهرة اللوتس انتجت وكالة ناسا الفضائية طلاءً لسطوح التجهيزات للحماية ضد تراكم المواد والغبار (الذي يؤدي الى التلوث ويسبب امكانية تعطيل عمل التجهيزات المختلفة، وبخاصة تلك المعرّضة الى ظروف الفضاء الخارجي) .(*)
هناك أيضاً أنواع من الدهان التي تستخدم خاصّية اللوتس المضادة للرطوبة في طلاء الجدران أو السقوف المعرضّة لقذارات السخام الناجم عن الماء المتسخ بذرات المحروقات. وفي مجالات أخرى تقتضي استخدام التكنولوجيا المضادة للماء - استخدمت خاصية اللوتس والتي تدعى Superhydrophobicity في صناعة أقمشة مضادة للإتساخ(**)، والتي تفيد في انتاج أشرعة القوارب، وفي أغطية للموتورات، وفي تطبيقات أخرى.
يعتمد مبدأ “التنظيف الذاتي” للوتس على وجود شعيرات دقيقة للغاية على سطح الأوراق، قادرة على حمل ودحرجة قطرات الماء مزيلة بذلك الأوساخ خارجاً.
التعدد والإنتشار في الأرض 🔗
يميّز المختصون في دراسة النباتات عدة عروق رئيسية لزهرة اللوتس،
“العرق المصري” Egyptian lotus و يدعى Nymphae lotus “نيمفيا” الزرقاء. وتضيف بعض المصادر اليها أيضاً اللوتس البيضاء.

عرق “اللوتس المقدسة” الهندي، ويدعى “نلومبو نسيفيرا” Nelumbo nucifera الوردي اللون.

عرق “اللوتس ألأمريكي” - ويدعى"نلومبو بنتا" Nelumbo pentapetala ذو اللون الأصفر.

تثيرالدراسات الأكاديمية لعروق اللوتس جواً من النقاش المتعمقّ حول تصنيفها، مما يبدو للقارىء العادي تخصصّاً مدرسياً وتركيزاً على كثير من التفاصيل الجانبية . على أن المهم هو أن كل الأنواع وتفرعاتها النباتية تشترك في نفس الصفات الأساسية. وكما يذكر أحد المصادر(*) فإن العروق االأساسية للوتس تتفرع أيضاً إلى 36 نوعاً أو عشيرة تدرج تحت شمل عائلة اللوتس.
يتم التصنيف في علم النبات بالتمييز بين خصائص كل من الأنواع الفرعية اعتماداً على عناصر مختلفة : من حجوم و أبعاد، و تعدد في الألوان، وفي عدد الأوراق، أو مدى علو الزهرة عن سطح الماء ….إلى آخره من العناصرالمميزة.
وتجدر الإشارة أن ما ذكر آنفاً من تصنيف مبسَط يقابله صفحات من تصنيفات أكثر تعمقاً وتعداداً لأنواع من اللوتس (أو زنبق الماء). فمثلا يميّزعلماء النبات بين اللوتس (التي تنتصب وترتفع فوق سطح الماء) ونوع آخر منها يدعى ب"زنبق الماء" Water Lily (*) ( الذي يطفو على سطح الماء مباشرة). على أن هذة الفروقات جزئية في طبيعتها، لذلك ستتم الإشارة لاحقاً إلى زنبق الماء ال (Water Lily) أو غيرها من الأنواع - بمجرد كلمة اللوتس.
ويمكن اللجوء إلى الكثير من المراجع الدراسية حول مختلف أنواع اللوتس، الأساسية منها أو الهجينة، والتي تظهرتعدداً ثريًا وغزيراً تمتلىء بها صفحات الإنترنت. وتبين الصفحة التالية عدداً بسيطاً من مظاهر التعدد، كمثال محدود.
على أن المهم في هذا العرض ليس الخوض في التفاصيل الدراسية الفنية (والتي يختصّ بها علم النبات)، بل في الظاهرة الروحية لزهرة اللوتس وارتباطها بالحضارات الإنسانية المختلفة.
أما بالنسبة إلى حجم الزهرة، فإن نوعاً متفرداً منها - وهو لوتس الأمازون - فيكتوريا أمازونيكا - Victoria Amazonica يستحق وصفاً لاحقاً، نظراً لحجم تلك الزهرة وأبعاد أوراقها الطافية والتي يصل قطرها الى أكثر من مترين.
لوتس الأمازون 🔗


في اوائل القرن التاسع عشر أثاراكتشاف الرحالة الأوربيين “للوتس الأمازون” شغفاً كبيراً لدى الكثيرين بخواص الزهرة الغريبة وكبر أبعادها. وتجاه انبهار علماء النبات ببهاء زهرتها وضخامة أوراقها، تقرر إقران تسمية الزهرة بالملكة فيكتوريا، إشارة إلى إعطائها الدرجة الأعلى من التقدير.
تطفو الأوراق الدائرية الشكل على سطح الماء الراكد ويصل قطرها أحياناً إلى أكثر من مترين. وبسبب متانة عروقها تستطيع الأوراق حمل ما يفوق الأربعين كيلوكراماً. كذلك فإن سطح الأوراق مضاد للماء Hydrophobic(*) لاتعلق عليه قطرات الوحل.
وهذة الخاصية توجد أيضاً في وريقات زهرتها البيضاء-الوردية، بما يجعلها تظل في نقاء دائم، رغم أنها تعيش في ضمن المستنقعات الموحلة. ويمكن أن يصل قطرالزهرة إلى أربعين سنتيمتراً. ولكن غرابة هذة الزهرة تكاد تكون أسطورية: فهي تعيش لمدة يومين فقط ، وتبدأ اليوم الأول بكيان أنثوي يتحول إلى ذكرفي اليوم التالي.
في الأمسية الأولى لبداية تفتح الزهرة، تظهرأوراقها بلون أبيض وتتقد بخاصية أنثوية تنتظرالإلقاح. ولأجل حصولها على ذرات غبارالطلع للإلقاح، تصدرالزهرة رائحة سكرية عطرة ثم ترفع من درجة حرارتها مشكلة بذلك حولها دفئاً وعطراً بما يجذب اليها حشرة الخنفس التي تحمل مواد الإلقاح الذكرية على زغبها من جراء انتقالها بين مختلف الزهرات المجاورة. وتظل الحشرة الزائرة مستغرقة بما حولها من غذاء ضمن الزهرة التي بالمقابل تغلق وريقاتها عليها لتمتص ذرات الإلقاح - حتى اليوم التالي.
في اليوم التالي بعد الإلقاح، تبدأ الزهرة بتوليد غبارطلع خاص بها متحولة إلى كيان ذكري الخواص، وتتوقف عن إصدارالرائحة العطرية الجذابة، وكذلك تخفض درجة حرارتها - مما يفقد الحشرة السجينة من الرغبة في متابعة الإنجذاب أوالمكوث ضمنها، وتنطلق خارجة منها.
وفي المساء من ذلك اليوم بعد الإلقاح يتم تحول الزهرة من أنثى إلى ذكر ويتحول لون الزهرة من الأبيض إلى الوردي. وتغلق الزهرة الملقحة وريقاتها ثم تغوص عميقاً في الماء (*).
أثارالإنطباع الأول لرؤية لوتس الأمازون في المستكشفين الأوربيين انشداهاً كبيراً ولّد فيهم شعوراً روحياً قوياً. وقد سجل عدد منهم في تقاريرهم وكتبهم مشاعراً شخصية لإحساس مبهم حول عظمة تكوين اللوتس التي تبدو وكأنها بيان إبداع من قائد الكون. فمثلاً وصف الكاتب “جورج لوسون” في كتابه من عام 1851 ماحدث حين شاهد عالم النباتات “هاينكه” الزهرة الأمازونية للمرة الأولى - إذ انه قد ركع على ركبتيه في إجلال لقدرة وعظمة الخالق:
“لقد كان جمال الزهرة خارقاً بما جعل عالم النبات هاينكه
في إحساسه بالتقدير العميق يركع على ركبتيه معبّراً بصوتٍ مرتفع إدراكه
لقدرة وعظمة الخالق في تكوينه الخارق للزهرة”.
وخلال عدد من السنين بعد اكتشافها، سببت هذة اللوتس الإستوائية إثارة كبيرة، ونقلت بذورها الى أوربا لأجل محاولة انمائها في الظروف المحلية. ولم يقتصر الإهتمام بها على المختصّين بالنباتات ، فقد سرى شعور الشغف بين عامة الناس الذين كانو يتوافدون لرؤيتها في حدائق المعارض الخاصة بها.
وهكذا ازدهرت الأبحاث والسجلات العلمية في كثير من الدول - بعضها قد ترجم إلى العربية - (*) حول خصائص هذة الزهرة وتأثيرها على ثقافات ومعتقدات عدد من المجتمعات.
إن استقطاب اللوتس للإهتمام على نطاق كبير بين الناس من مختلف الجنسيات يثير الإستغراب حقاً. فعلى العموم، إنه من النادر جداً أن يتفق الناس فيما بينهم على أي معتقد أو فكر محدّد - ولكن الإجماع على تقديراللوتس قد بينّه عدد من الحضارات المختلفة في الزمن والمكان، وبغزارة ثقافية بما تخطى مجرد الإعجاب الجمالي إلى التقدير الروحي، بل وبإقرانها في الطقوس الدينية.
فما هو السبب؟ هل إن هذة الزهرة تمثّل أحجية كونية؟
بعض أنواع اللوتس 🔗














البزوغ إلى الحياة مجددا بعد آلآف السنين 🔗
تترك لنا الطبيعة سجلات من المعلومات حول أمور حدثت في السابق، كما في في مجال علم المستحاثات، والذي هو دراسة لتاريخ أنواع الحياة الماضية في الزمن. ومن ضمن هذة الدراسات موضوع نباتات وزهور ماقبل التاريخ، مثلاً في الفترة التي ساد فيها الديناصور، ولم يكن للإنسان آنذاك وجوداً.
اللوتس سابقة لظهور الإنسان 🔗
بيّن العديد من المستحاثات التي اكتشفت في الأرجنتين (*) أصولاً لزهرة اللوتس تعود إلى حقبة زمنية تقع ضمن الفترة الجيولوجية Cretaceous Period التي تمتد بين 60 و 100 مليون سنة.
تشير دراسة تلك المستحاثات النباتية إلى سطوح عليها انطباع نبات ال “نولومبو” Nelumbo- وهو الإسم العلمي للوتس - وجدت في منطقة باتاغونيا.
ويضيف عدد من المراجع (**) ( *** ) أن مستحاثات اللوتس في قد وجدت في كلا نصفيّ الكرة الشمالي والجنوبي، ويعود قدم زهور اللوتس تلك إلى حقبة تتجاوز ال 65 مليوناً من السنين.
تعتبر زهرة اللوتس الحالية توالداً مشتقّاً من اللوتس التي ازدهرت قبل ملايين السنين. فمثلاً يدعو متحف بريزبان في استراليا لزيارته - مفتخراً باحتوائه حالياً على بحيرة تنمو فيها اللوتس في منطقة باركلاند والتي هي من أحفاد تلك الزهرة التي انطبعت في مستحاثات تعود إلى فترة أقدم من 60 مليون عام (*).
هل عنصر الجمال و الرونق موجود في الكون بما يتخطّى ظهور الإنسان؟ 🔗
إن في كل زهرة نراها إعلان لاشك فيه عن عناصر جمالية، تشمل - بالإضافة إلى الرائحة العطرة - التناظر بين مكوناتها والتناسق وكذلك الرونق في ألوانها. وبما أن الموضوع المطروح هنا هو عن زهرة اللوتس، يظهر إذن التساؤل الداخلي حولها: لماذا يحكم الشعور برؤيتها بأنها جميلة؟
الشعور بالجمال يبزغ تلقائياً في فكرالإنسان بمجرد مشاهدة المنظرالذي يحكم عليه ضمنيّاً بصفة الجمال. ويتم هذا الإحساس بالفطرة - بدون حاجة إلى جهد فكري أو تفسير. ولكن زهرة اللوتس، كمثال عن غيرها من الزهور الجميلة - كانت قد عاشت و تكاثرت في عصر لم يكن فيه وجود بعد لأي إنسان أصلاً. إنها الفترة التي تعود إلى 100 مليون سنة، والتي حددها الباحثون بحقبة الجوراسيك الشهيرة بغزارة نباتاتها وتعدد حيواناتها.
تثير هذة الملاحظة السؤال: طالما أن الجمال (أوالإحساس بالرونق) خاصية من خواص مشاعرالإنسان، فهل كانت اللوتس حين ظهرت قبل ملايين السنين وازدهرت قبل وجود الإنسان - هل كان لوجودها آنذاك صفةً أو معنىً جمالياً؟
أي: هل من الممكن أن نلصق باللوتس عنصرالجمال في وقت لم يكن فيه من يستقبل بالوعي جمال شكلها آنذاك؟
هذا التساؤل ناجم عن أسلوب في التفكير يدعى بالأنتروبومورفية anthropomorphism وهواتجاه في تفسيرالطبيعة من وجهة نظر الفكر الذي يضع الإنسان مركزاً لكل شيء في الوجود (كما يذكّر في هذا المجال اعتبار فكر القرون الوسطى للأرض مركزاً تدور حوله الشمس). إن صفة الجمال في التكوين، وصفة اصدار رائحة العطر، وصفات أخرى في اللوتس - كانت كلها موجودة منذ ملايين السنين كما هي موجودة الآن. وزهور ماقبل التاريخ تبين لنا أن حقل الجمال والتكوين المبدع هو من صفات وقوانين الطبيعة الحية، والتي لاتتعلق فعالياتها بوجود الإنسان (بل على العكس).
ووجود الجمال والرائحة العطرة في الطبيعة يعني أن لطبيعة الوجود اتجاه وإرادة. إن الوجود ليس عشوائياً، بل هناك اتجاه وقوانين تعبّرعن وجودها بالرونق في انسباك المواد والتناسق في التشكيل. وفي مثال اللوتس، فإن الرائحة العطرة والدفء الذي تنتجه له هدف جذب الحشرات لأجل إتمام الإلقاح. ونفس السلطة الكونية التي تحدد للوتس وغيرها الرائحة العطرة، هي بالذات مايحدد الرائحة الكريهة والنفور للمواد التي تتحلل وتموت. أي أنّ الواقع له تفضيل واتجاه. وأوضح بيان لوجود اتجاه في ديناميكية الواقع هو الرابط الحتمي بين الأسباب وتبعاتها بما يحدد الفارق بين النظام والفوضى.
كل الموجودات في الطبيعة تجسيد للقدرة الكونية للحياة في أشكال ليس لها حصر، ولكن اللوتس في عدد من صفاتها قد أثارت في كيانها شعوراً فطرياً لدى الإنسان بأن الوجود ليس أمراً عبثاً، بل أن له معنىً ومغزى. وقد ساهم هذا الإحساس في معتقدات الحضارات الإنسانية القديمة بأن هذة الزهرة رمز لروعة الكون - مما انعكس على إضفاء القيمة الروحية لها.
عودة بذور اللوتس إلى الحياة مجدداً بعد آلاف السنين 🔗
تعتبر بذور اللوتس من أغنى بذورالنباتات ذات الفائدة الغذائية. وتشيردراسة لجامعة أدليد Adelaide في استراليا (*) الى أن اللوتس قد استخدمت كمادة غذائية قبل 7000 من السنين. ولاتزال بذور اللوتس - بشكل خاص - تستهلك حالياً في مأكولات ومعلبات في عديد من المجتمعات الآسيوية وعلى نطاق واسع. ولكن اللوتس لاتضاهى بين أي نبات آخر من ناحية مقدرة بذورها على الاستمرارية، وجاهزيتها للنمو مجدداً بحيوية حتى بعد سباتها لمئات أوآلاف السنين.
توثّق مصادر علم النبات (**) حالات لنمو زهرة اللوتس من بذور تجاوزعمرها ال 1300 سنة. أما عن السبب في هذة المقدرة على الاستمرارية في الزمن، فكما تشير دراسة لجامعة كاليفورنيا / لوس انجلوس فإن بذور اللوتس تحتوي في تركيبها الوراثي على ألياف من البروتينات التي تقاوم ضغوطات عوامل المحيط وتجعلها قابلة للنمو حتى بعد أكثر من ألف سنة.
وقد أثارت مقدرة بذور اللوتس على مقاومة عوامل الزمن والمحيط اهتماماً واسعاً ودراسات تفصيلية في تكوين الحامض النووي فيها. ويتركز البحث حول فعالية انزيم خاص فيها يعمل على اصلاح البروتينات المتكسرة والخلايا التالفة، وذلك بما يفيد في دراسة ميكانيكية مقاومة الشيخوخة والحفاظ على نضارة الجلد (***).
أوكا لوتس Oga Lotus 🔗
ولكن الفترة الأكثر قدماً التي سجّلت لبذور نمت بعد سبات زمني عميق هي مدة قدّرت أولاً بحوالي 2000 سنة (*). على أن تلك المدة قد جرى تصحيحها بعد استخدام طريقة الكربون الشعاعي، حيث قدّرعمر تلك البذور بفترة أقدم بكثير.
ففي منتصف القرن الماضي عثر اثناء حفريات اجريت في منطقة “تشيبا” Chiba قرب طوكيو في اليابان - على بقايا زورق وُجد مدفونا عميقا في الأرض، وفيه عدد من بذور اللوتس، مما استرعى اهتمام الأخصائي الشهير في علوم النباتات الدكتور “أيتشيرو أوكا” Oga. وقد قام الكتور “أوكا” في عام 1951 بعزل البذور وأخذ عينة من خشب الزورق الذي انغرزت فيه .
في البدء قدَر علماء الآثار عمر الزورق بأكثر من 2000 سنة من خلال دراسة طريقة نحت الألواح الخشبية التي استخدمت في بنائه والتي ميَزت تلك الفترة الحضارية القديمة - ولايزال عدد من المراجع يستخدم هذا التقدير. على أن دراسة لخبير النباتات “مارك كريفيس” تشير إلى أن الدكتور “أوكا” لجأ فيما بعد الى طلب تقديرعمر الزورق الذي كان مهداً للبذور المكتشفة باستخدام الكربون المشع لأجل التأكد من التاريخ بدقة - وحصل في عام 1952 على نتائج الفحص من معهد الدراسات النووية في جامعة شيكاغو (**) بتقدير وسطي لعمر عينات خشب الزورق يبلغ 3000 سنة: “النتائج الوسطية هي 3075 +/- 180 سنة” كما يوثّق في كتابه The Lotus Quest .
على أن الأهم في هذا الموضوع هو أن البذورالتي عثر عليها قد نمت و أنتجت زهوراً لاتختلف في شيء عن زهور اللوتس الحالية.
كان خبر بزوغ اللوتس الى الحياة بعد آلآف السنين مثار اهتمام عالمي تجاوز حقل علم النباتات ليتصدرالأخبار الثقافية والفنية في حقل الصحافة و النشر في خمسينيات القرن الماضي.
وقد تم تسجيل هذا الحدث في كتاب عالم النباتات “مارك غريفيس” في كتابه The Lotus Quest (*) وفيه يوثق الكثير من التفصيلات العلمية و التاريخية، ويظهر صورة زهرة اللوتس التي نمت بعد سبات عميق، و قد سميت ب “أوكا لوتس” Oga Lotus - كما تظهر بجلال و رونق أخآذ. ويحتوي الكتاب المذكور على معلومات تفصيلية متعمقة حول ظاهرة اللوتس في المجال العلمي والثقافي وأيضاً التاريخي في عدد من مناطق العالم بما فيها الشرقوسط.
اللوتس في العصر الحديث 🔗
يبيّن بحث للمكتبة الأمريكية للأدوية والصحة الوطنية أن هناك مئات من الدراسات والمنشورات تصدر كل سنة حول خصائص واستخدامات اللوتس. على أن هناك أيضاً الكثير من الأبحاث تنشر بلغات غير الإنكليزية – وهذا الإهتمام المركزّ والعالمي في طبيعته يدلّ على تحريض اللوتس للمجال العلمي بما يماشي أيضاً غزارة المراجع الفكرية أو الفلسفية لهذة الزهرة.
ويتجهّ الإهتمام بصفات اللوتس حالياً على اكتشاف الآليات العاملة في تكوينها، والتي يمكن الإستفادة منها عملياً، ومنها معرفة الميكانزمات التي تمكّن بذور اللوتس مثلاً من إطالة عمر حياتها بشكل مدهش، وكذلك في خاصيّة الإصلاح الذاتي للخلايا self repair مما يفيد في اصلاح طبي للعظام الهشة – كما جاء في عدد من الدراسات
ويتبع ذلك دراسات في معرفة آلية توليد الزهرة للدفء اثناء الإلقاح حيث ترفع الأجزاء الأنثوية فيها درجة حرارتها وتصدر عبيرأ قوي الجاذبية:
في الواقع، فإن عدد الأبحاث حول موضوع اللوتس وافر جدّاً، ويمكن استخلاص المعلومات المرغوبة والتأكد من مصادرالدراسات بشكل مباشر عبر الإنترنت – والتي تتطرقّ إلى عديد من الزوايا والإهتمامات.
وبالإضافة إلى المراجع العلمية، هناك أبحاث ثقافية تدور حول دور اللوتس الفلسفي في تاريخ الإنسانية. إضافة إلى ذلك فإن الكثير من المراجع التي تظهر على الإنترنت تمت إلى الفوائد التجارية التي تولدّها اللوتس من مواد تجميلية أو في دعوات الجذب السياحي – أو في تصميم حدائق الزهزر المائية. وسيرد لاحقاً ذكر أمثلة عديدة حول استخدام شكل زهرة اللوتس في عدد من المنشأت العمرانية.
مثال لبعض من ألوف عديدة من المصادر العلمية والثقافية حول اللوتس