الفصل السابع
حول كتابات المعلم نيتشيرين (شمس لوتس) 🔗
حين ظهر البودا التاريخي (قبل حوالي 2500 سنة) في شمالي الهند، كانت طريقة نقل المعلومات والتعاليم الروحية آنذاك تركزّ على أسلوب النقل الشفوي بشكل خاص. ولم تسجّل نصوص السوترا المنسوبة إلى البودا كتابياً إلاّ في فترة لاحقة.
خلافاً لذلك، تقصّد نيتشيرين حين ظهر (قبل حوالي 800 سنة) أن يسجلّ تعاليمه كتابياً، مشجعّاً أتباعه على تداولها ونسخها.
بذلك ترك المعلّم نيتشيرين تراثاً غزيراً جداً من المقالات يفوق الأربعمائة من السجلات الغزيرة المحتوى، والتي اتخذت شكل الرسائل إلى اتباعه وإلى السلطات الحاكمة في تلك الفترة التاريخية. وتعطي هذة الكتابات صورة وثائقية واضحة عن مجريات الأمور السياسية والإجتماعية آنذاك، اضافة إلى دراسات تحليلية دقيقة حول مختلف المدارس البوذية - والتي شرحها نيتشيرين من وجهة نظر سوترا اللوتس.
تظهر كتابات المعلّم نيتشيرين روح الدفء القلبي والعواطف الإنسانية المشتركة مع مشاعر الذين استلمو تلك الكتابات في أوضاعهم الحياتية الصعبة. كذلك تبيّن عمقاً فكرياً وفلسفياً ممتعاً. وقد حافظ أتباعه على هذا التراث الكتابي القيّم عبر الزمن وصولا إلى العصر الحالي (*) حيث تمت ترجمة هذة الكتابات إلى عدد من اللغات.
ولأجل تقديم نموذج من الرسائل النيتشيرينية - مجرد صفحة من آلآف الصفحات - سيكتفى فيما يلي عرض عام لرسالة مبدئية تحمل العنوان:
“حول الوصول إلى الإنارة في الحياة الحالية” – أرسلها نيتشيرين إلى احد أتباعه الأوائل في عام 1255 وفيها شرح لأسس الإنشاد نظرياً وعملياً. (على أن الترجمة التالية ليست حرفية بل فيها شرح اضافي للمساعدة على الإيضاح)
وسوف يتبع ذلك المقال مقتطفات من عدد من الكتابات النيتشيرينية المتفرقّة، والتي تحوي روح التعاليم المستقاة من فلسفة اللوتس.
حول بلوغ الإنارة في الحياة الحالية 🔗
إذا رغبت أن تتحرر من المعاناة
والتي قد رافقتك بين كل ولادة وموت منذ عصور لاتحصى
وإذا رغبت أن تبلغ وضع الإنارة العليا حتماً في هذة الحياة الحالية،
إذن لابد لك من أن تدرك أولاً حقيقة القدرة الروحية التي تعمل ضمن حياتك، وضمن حياة كل الكائنات.
هذة القدرة الروحية طبيعة فطرية تولّد المشاعرالضمنية - من سعادة أو معاناة - وتصدر حكم قانون الوجودعلى قيمة الدوافع والأفعال. إن حقيقة حياتك هي أنك تحوي ضمناً القانون الذي يحدّد تبعات أفعالك، أي قانون القدرة الحيويّة المدركة والكائنة ضمن أعماق الوعي الباطن لكل فرد.
ويشار إلى هذة القدرة الحيوّية بقانون “ميوهو- رنكة – كيو” – النظام الكوني لظواهر الوجود - والذي يحدد لكل سبب قيمته وما يتبع من نتيجة.
لذلك، فإن وعي الفرد واستنارته لوجود هذة القدرة المقدسّة ضمن حياته يتحقق تلقائياً عبر إنشاده “ميوهو- رنكة – كيو”،
إذ أن صوت الإنشاد اصدار من الوعي يحمل في كلماته اسم الحقيقة الضمنية الأعمق، والتي لدى استدعائها تبزغ قدرة رائعة من الحكمة والمعنى والإمكانيات – أعلى وأسمى أوضاع الفكر والمشاعر.
من بين كل التعاليم والسجلات البوذية، تحتل سوترا اللوتس المكانة الأعلى حكمةً، فهي الأكثر شمولاً - قيمةً ومبادئاً إنسانية.
“ذلك لأن سوترا اللوتس تعبيرعن روح القانون “ميوهو - رنكة - كيو.
إنها بيان صادر عن الفكر الإنساني الذي قد استنار إلى القانون الأبدي الذي يدير كل ظواهر الوجود، ويصدر الحكم الباتّ على ما يحصل من أحداث.
هذا القانون هو تكامل جميع قوانين الطبيعة الماديّة وقوانين العلاقات النفسيّة. إنه القدرة التي عبرها يسبك الإنسان مسار حياته حسب قيمة دوافعه ومدى إدراكه لتبعات أفعاله.
وهذا يعني أنّ الوعي إلى حقيقة هذا القانون ضمن حياة الفرد هو بالذات الإستنارة إلى حقل الحكمة والسعادة والمقدرة على تجاوز كل الصعوبات – حقل الإنارة هذا يبزغ تلقائياً في وعي الإنسان بعد أن كان مجرد كنه كامن في عمق الفكر دون وعي لوجوده.
لذلك فإن تعاليم اللوتس التي هي تعبير عن قانون “ميوهو - رنكة - كيو” - مصدر حكمة كل من وصل إلى الإنارة.
في كل لحظة من الزمن، تتجلّى قدرة قانون الحياة “ميوهو- رنكه – كيو” في كيان كل فرد: جسداً وفكراً،
وتولّد فيه الإحساس بالذات الشخصية والتي هي في ترابط مع المحيط لاانفصال بينهما.
كل علاقات الإنسان منذ الولادة تعبيرعن ترابط لاانفصام لوجوده مع المحيط - عبر أحداث تولّدها أسباب وتتبعها نتائج، كما يحددها قانون الحياة.
هكذا تسري حياة جميع الكائنات رغم اختلافاتها وتعددها الهائل.
ورغم اختلاف الكائنات في وظيفة كل منها في الطبيعة، وفيما بينها في مستويات دوافعها - فهي كلاًّ ودون استثناء تجسيد لقدرة الحياة في الكون والتي هي “ميوهو- رنكه – كيو”.
لايمكن للكائنات الحية الوجود دون المواد التي تدعم حياتها، لذلك يشمل نظام الحياة الكونية كل ما هو موجود في الطبيعة، أي كل مافي الأرض من نباتات وتراب، وتتغلغل حتى أدّق ذرات الغبار، في ترتيب ديناميكي يفوق الوصف، أحجية كونية الأبعاد.
نظام الحكمة الكونية (” ميوهو- رنكه - كيو”) الذي يتغلغل كل ظواهر الكون، هو قانون الوجود الرائع الذي يفوق أي تفسير. وهو المصدر في تشكيل وترابط جميع الأشياء وجميع الظواهر وكلّ العلاقات والمشاعر.
وحين ندرك أن أسلوب حياتنا الفردية وعلاقاتنا مع الآخرين هي تعبير ذاتي أو شخصي لنا عن هذة القدرة الحيويّة “ميوهو- رنكه - كيو”، عند ذلك ندرك مباشرة أن أسلوب حياة الآخرين أيضاً وعلاقاتهم مع غيرهم هي تعبير ذاتي أو شخصي لهم عن هذة القدرة الحيويّة “ميوهو- رنكه - كيو”.
بمعنى آخر: إن كل كائن فريد الهويّة لاتكرار له، ولكن طبيعة مشاعره الفطرية مشتركة مع جميع الآخرين، إذ ليس للمشاعر هويّة فردية.
ولكن، حتى لو أنك قد قبلت في فكرك أن “ميوهو- رنكه - كيو” هو نظام وجود الطبيعة وقانون الحياة،
وحتى لو أنك قد أنشدتّ اسم هذا القانون، إذا أنت قد ظننت أن هذا القانون موجود خارجاً عنك جسداً وفكراً – إذن أنت لاتدرك حقيقة الواقع بل تتبع تفكيراً دونياً.
الفكر الدوني هو الظن أن حياة الفرد أقل وأدنى من قانون الوجود، أي الظن الخاطىء أن قانون الكون موجود خارجاً عن الكائن الحيّ، وبالتالي الوهم بأن حقل الإنارة هو حقل لما هو موجود خارج فكر الفرد.
لايمكن للفكر الدوني أن يوصلك إلى الحكمة.
فبدون الطريق المباشر لإستنارتك إلى أن القدرة الكونية (التي تسبب السعادة أو المعاناة) والتي تعمل في ضمن حياتك الخاصة بالذات، لايمكن لفكرك بلوغ حقل الإنارة حتى ولو أنك قضيت حياة بعد حياة في ممارسات روحية – دونما جدوى من كل ماتفعل.
إذا لم تعتقد أن قانون الحياة موجود ضمناً في مسار حياتك الشخصية - وليس خارجاً عنك - إذن أنت لن تستطيع بلوغ حقل الإنارة الضمنية.
لذلك، فحين تنشد النداء “ميوهو- رنكه - كيو” يجب أن تستدعي القناعة الأعمق أن “ميوهو- رنكه - كيو” قدرة داخليّة تسبك مسرى حياتك الشخصية، وأنك تقودها أنت برغبة واتقاد إلى الوضع الأعلى لوجودك.
يجب أن لا تظن أبداً أن أيّاً من تعاليم الحكمة المقدسة والحقائق النفسيّة للإنسان - التي توصّل إلى إدراكها البودا شاكياموني أو غيره - يجب أن لاتظنّ أنها خارجة عن حياتك، لإنها في الحقيقة موجودة فطرياً ضمن عقلك الضمني حتى ولو لم تكن انت واعياً لذلك.
إن ممارساتك الروحية واتباع أيّ من الطقوس لن تمكنك من ايقاف المعاناة بين الحياة والموت - حتى تدرك ماهي طبيعة حياتك الحقيقية والكائنة تتالي لأحداث تسري عبر قانون الوجود “ميوهو- رنكه - كيو”. فإذا أنت قد بحثت عن حقل الإنارة ظاناً أنه خارج حياتك الشخصية فإن كل جهودك وممارساتك ستكون عديمة الجدوى.
إنك بذلك الفهم الخاطىء كمثل فقيرٍ يمضي وقته ليلاً نهاراً وهو يعدّ ويمجّد ثروة جاره، ولكنه لايكسب من ذلك شيئا.
وحول هذا الموضوع يقول مرجع من المدرسة الفلسفية لل"تنداي" Tendai : “إذا لم يدرك الفرد أن طبيعة مسرى أحداث حياته هي آلية عمل قانون السبب والنتيجة الذي يحرّك تصرفاته – فهو إذن غير قادر على إجراء تغيير ضمني لإزالة نتائج ماقام به من إساءات وآثام سابقات”.
ويعني هذا القول أن طبيعة مشاعر وأحداث حياة الفرد الشخصية مصدرها نظام عمل قانون السببية ضمنه وليس بفعل سلطة خارجية عنه.
إذا لم يدرك الفرد ذلك، فعندئذ تصبح ممارساته الروحية للتحرر من المعاناة مصدر ثقل نفسي، لأنه لن يتمكّن من الإعتقاد بمسؤوليته الشخصية وقدرته الفرديّة على إيقاف المعاناة.، ظانّاً أن المسؤولية تقعى خارجاً.
إن هدف تعاليم الإنارة البوذية هو انهاء المعاناة. لذلك فالذين يقومون بممارسات خاطئة لايتبعون في الحقيقة فكر الإنارة البوذية.
وتعلّق مقالة “التركيز العظيم والإلهام” لمدرسة “التنداي” على تلك الممارسات الروحية الخاطئة بأن “هناك من يدرس البوذية ولكن فهمهم لها لايختلف عن المفاهيم اللابوذية (التي تعتقد أن قانون الحياة المقدس خارج عن الإنسان)”.
إذا أنت قد أنشدت لفظ الإنارة “نعم – ميوهو – رنكة – كيو” ، أو رتلتّ سجل سوترا اللوتس، أو لو أنك أيضاً قد قدمت عطاءً من ورود أوعطور – فإن كل ماتفعل من قيمة سوف يغرس في حياتك الفضائل والفائدة، جذوراً من الجودة.
وحسب هذا الإعتقاد يجب أن تبذل كل جهد في واقعك اليومي لترسّخ الإيمان والثقة بقيمة كيانك، الذي يحوي إمكانية الإنارة، أثمن مافي الوجود.
هذا مايعنيه قول من سوترا تدعى باسم “فيمالاكيرتي” Vimalakirti حين تذكر أنه حين يتوق الفرد إلى حقل الحرية من المعاناة - أي حقل النيرفانا - يتبيّن له أن حقل الحرية من المعاناة يمكن أن يوجد فقط ضمن كيانه الشخصي، وليس في مكان ما خارجاً عنه.
حقل السعادة والحرية من المعاناة لايوجد في مكان خارجي، بل هو نتيجة حكمة الإنارة ضمن الفرد،
قدرةً تحولّ أحداث حياته بين الولادة والموت إلى المعنى والقيمة.
وتذكر السوترا أيضاً أنه لا انفصال بين الناس وما يحيط بهم من ظروف.
أي أنه لا انفصال بين الأوضاع والأمور التي تحصل في أرض معينّة عن فكر قاطنيها بالذات.
فإذا كان فكرالناس مشوهاً لانقاء فيه - إذن كذلك يكون واقع أرضهم أو المكان الذي هم فيه – إذ عليه ينعكس فكرهم، لامحالة.
ولكن، إذا كان فكر الناس صافياً نقياً - إذن كذلك يكون واقع الأرض أو المكان الذي هم فيه – إذ عليه ينعكس فكرهم، لامحالة.
فليس هناك نوعيتان من الأرض: إحداهما - بحد ذاتها - أرض الإنارة والنقاء والآخرى - بحدّ ذاتها - أرض الجهل والتشويه.
إنما تنعكس على أرض الواقع قيمة فكر قاطنيه – من حكمة أو جهل.
كذلك الأمر في موضوع المقارنة بين الإنسان المنار والفرد العادي – فليس بينهما في الأساس أي فارق جسدي أو ماهو خاص.
إن نفس الشخص بالذات، حين يكون فكره سطحياً أو في ضلال – يدعى بكونه فرداً عادياً، ولكن حين يصبح فكره مناراً – يدعى بكونه بودا أو انسان الإنارة.
وكمثال ذلك سطحُ مرآةٍ ملطّخٌ بآثارٍ من دهان أو أوساخٍ تغطّيه، بما يمنع انعكاس شعاعَ النور منه – ولكن نفس المرآة سوف تتألق كالجوهرة حين يُجلى السطح ويصقل.
ومثال الفكر المكفهر حالياً من جرّاء أوهام المخاوف والدونية – كمرآة قد تلطخ سطحها، ولكن المرآة تتألق ضياءً حين تصقل.
كذلك حال الفكر نفسه حين تبزغ فيه الإنارة، إذ في حقله تنعكس بوضوح الطبيعة الحقيقية للواقع.
اتقدّ بالُثقة بذاتك كائناً كياناً من عالم الإنارة، وقم بصقل مرآتك الداخلية بجهد يومي متواصل.
كيف يمكنك ذلك؟ فقط بواسطة الإنشاد “نعم – ميوهو – رنكة – كيو”.
ماذا يعني إذن مفهوم كلمة “ميوه” myo ؟
إنها كلمة تشير إلى “كنه الحياة”.
وكنه الحياة إنما أحجية نحن نحياها من لحظة إلى لحظة تالية في مسار مستمر عبر الزمن – لغزٌ ذو عمقٍ لايستوعبه الفكر.
إنها روعة الكون المتألّق قدرةً وحكمة لا يمكن وصف أبعاد وجودها بالكلمات.
فمن السهل لنا إدراك وجود شيء ما في الواقع عبر الحواس، التي تبيّن خواص مادته من شكل ولون مثلا - ولكن خلافاً لهذه السهولة، إذا قمنا بالتمعنّ حول طبيعة فكرنا فنحن لانجد للفكر خواصّاً من لون أو شكل يتخذه كما هي الحال في صفات “وجود” المواد.
على أنه لايمكن لنا الإدعاء أن الفكر “غير موجود”، إذ أن الرؤى والأفكار تتوارد ضمن وعينا باستمرار.
لايمكن إذن تحديد الفكر على أنه “موجود” كما نصف وجود المادة، ولايمكن القول أيضاً أنه “غير موجود”. إن الحياة أحجية محيّرة تتجاوزأي وصف أوتحديد بمفاهيم الوجود وعدم الوجود. إنها لاهذا ولا ذاك.
فحياة الإنسان ليست وجودا ملموساً كما هي الحال في وجود الأشياء، وهي ليست سرياناً روحياً لما هوغير ملموس من فكر ومشاعر، بل إنها تكامل للطبيعتين: المادية وغير المادية معاً.
وللإشارة إلى الطبيعة الخفية اللامادية – تستخدم كلمة ميوه myo .
أما للإشارة إلى الظواهر الملموسة مادياً – فتستخدم كلمة هو ho .
بذلك، فحقيقة الحياة هي تكامل المادة والفكر معاً ينسكبان في كيان واحد myoho. هذا الكيان هو الطريق الأوسط لوجود كل الأشياء في الواقع، لاتحيّز فيه للمادية ولاتحيّز فيه للروحانيات.
وللتعبيرعن روعة الوجود المقدس لقانون الحياة الذي ينبض بحركة السبب والنتيجة - تُستخدم كلمة “رنكة renge " وتعني “زهرة اللوتس”.
أي أن التعبير: “ميوهو رنكة myoho renge” وصف لحقيقة أي كيان حيّ.
كل كائن أحجية رائعة الكنه myo في جسد مادّي الوجود ho دائم الفعاليات تتبعها النتائج renge. هذة الحقيقة تشمل كل لحظة من الزمن، مبداً أو قانونا لتدفق أحداث الحياة - يشار إليه بكلمة “كيو kyo” أو القانون.
سوترا اللوتس، التي هي تعبير عن “قانون الحياة الأبدي ميوهو- رنكة - كيو” هي أعلى وأكمل التعاليم الهادفة إلى بيان الطريق المباشر للإنارة.
إنها تفسّر أن كل ما نمرّ به أو نقوم به – إيجابياً كان أو سلبياً – إنما أحداث تعبّرعن قانون الحياة الذي يحدد قيمة ومصير أي فعالية نقوم بها.
إذا قمت بالأنشاد “ميوه – هو – رنكة – كيو” باعتقاد عميق الصدق بهذا القانون، إذن فأنت بالغٌ الإنارة حتماً في هذة الحياة التي تحياها الآن.
إن هذا من القيمة بحيث لايجوز إهماله، ولهذا السبب تبيّن السوترا أنه " بعد رحيل البودا عليك باتباع صدق هذة التعاليم”. أي أن هذة التعاليم هي بمثابة البودا نفسه حتى بعد رحيله.
لاتسمح للشك بذاتك أبدا،
لأنك كيان قادر حتماً على بلوغ الإنارة.
واستمر في الحفاظ على ثقتك بقيمة حياتك ، واضعاً هدفاً أن تبلغ الإنارة في هذة الحياة.
مع الاحترام.
نيتشيرين
لمحة حول الفكرة الأساسية
لرسالة: بلوغ الإنارة في الحياة اليومية
🔗
الرسالة On Attaining Buddhahood in This Lifetime قصيرة نسبياً، وفيها شرح مكثّف لموضوع إمكانية بلوغ الإنارة الفكرية عبر الإنشاد. ولأجل توضيح أكبر لموضوع هذة الرسالة، هناك محاضرات تفصيلية عديدة حول محتواها تهدف إلى إعطاء الشرح المناسب، كما هو متوفر في مطبوعات المكتبة النيتشيرينية وعلى شبكة الإنترنت.

وسيكتفى فيما يلي من صفحات إيراد لمحة حول المبادىء الأساسية إلى موضوع الوصول إلى الإنارة (Enlightenment)، والتي تعني: إدراك الوعي لقانون الحياة الذي يفتح في الفكر آفاق الحكمة والسعادة. فمثلاً: حين يكتشف أو يستنيرعالم ما إلى أحد قوانين الطبيعة، فإن إدراك تطبيقات هذا الإكتشاف سوف يعود بالفائدة العملية لدى استخدامه. وكذلك الأمر في حال إستنارة الفرد إلى عمل القانون الذي حسبه تعمل الحياة: عندئذ يبزغ في الفكر حقل الإنارة – أي حقل الحكمة والإمكانيات التي تؤدّي بتطبيقها إلى الفائدة العملية وإلى الوضع الأسمى للحياة.
المغزى العام لرسالة المعلّم نيتشيرين هذة هو: أولاً - أن حقل الإنارة موجود ضمن حياة كل فرد، وأنه يمكن تحريضه بالإنشاد. وثانياً - أن بلوغ الإنارة يؤدي إلى تحقيق الفائدة العملية في الحياة اليومية: في مشاعرالسعادة وفي التغلّب على الصعوبات.
ماهو سبب المعاناة؟ 🔗
يبدأ المعلمّ نيتشيرين رسالته بالإشارة إلى أهم هدف في الحياة وهو طبعاً إزالة المعاناة والتوصّل إلى وضع السعادة والحكمة في الواقع اليومي.
وخلافاً لعدد من العقائد التي تتطلب وجوب اتبّاع وصايا أو أوامر محددة بهذا الصدد، يبّين نيتشيرين أن الطريق إلى الحرية من المعاناة هو استخدام الفرد لإمكانياته الداخلية من حقل الإنارة - الذي هو مصدر قدرات روحية تفوق أي ضغوطات خارجية أو تحديدات نفسيةّ، إذ أن هذا الحقل مخزن داخلي عظيم لطاقات فكرية من الحكمة والعقلانية تمكنّه حتماً من ايجاد الحلول الأمثل.
هذا الحقل من الإنارة موجود فطرياً في العقل الباطن. وحين ينسجم وعي الفرد مع هذة الحقيقة الداخلية، يتولّد فيه عندئذ شعور بالرضى والثقة، وتنفتح أمامه حقول ثرية من الحكمة والإمكانيات، وتزول في هذا الحقل المعاناة وتتبدد المخاوف. والسبب في ذلك هو أن وعي الفرد يستنير إلى حقيقة حياته بالإستناد إلى قانون الوجود، وأن كيانه الشخصي فكراً روحاً وجسداً - في وفاق مع الكون ومع رغباته الخاصّة وآمآله.
وهذا يكافىء القول أن سبب المعاناة هو الجهل بوجود قانون الحياة ضمن الفرد، والذي فقط بإدراكه يتشكّل الضمان الوحيد لمعرفة تبعات مايقوم به الفرد ونتائج ما يرمي إليه - بما يسيّره إلى الحلول الأفضل وإلى راحة الفكر والمشاعر.
هذا القانون الضمني هو ما ينظم عمل الحياة في الواقع فكراً ومشاعراً - لأنه “الحَكَم الداخلي” الذي يحدد لكل فعل يقوم به أي فرد معنىً وتبعات لاحقة. فلكل مستوى من الوعي ولكل نوعية من الدوافع نتائج وتبعات يحددها تلقائياً القانون الضمني - وليس رأي الآخرين أو أي سلطة خارجية.
فإذا كانت الدوافع وراء فعالية ما للشخص تحوي الإساءة إلى مشاعر الآخرين – إذن فهذا سيستدعي آلآماً وتشنجاً في مشاعرهم يسجّلها القانون الداخلي في ذاكرة الشخص الكارمية حتى ولو كان وعي الشخص جاهلاً لها أو لتأثير أفعاله على المدى الأبعد.
والعكس يستدعي العكس: إذا كانت الدوافع وراء فعالية الفرد تحوي احترام مشاعر الآخرين – إذن فهذا سيستدعي سعادة وانسجاماً للجميع تسجّل تلقائياً في حقل ذاكرة الشخص الكارمية ضمناً.
كما يقّر به الجميع، فإن مسارالحياة وعلاقاتها ليست أموراً عشوائية، بل تشير إلى وجود نظام يحدد مصير ومعنى الأحداث. ودون شك، هناك من أحداث تسيّر الحاضر والمستقبل إلى المعاناة والدمار أو تسيّر إلى السعادة والإزدهار.
لذلك فإن إدراك وجود هذا القانون الذي يؤثّر على مصير الفرد – هو أثمن مافي الوجود.
قانون الحياة - الذي يحدد الثواب والعقاب - موجود ضمن الإنسان 🔗
تشير سوترا اللوتس إلى آليّة القانون الكوني الذي يحدد مصير الأحداث بالرمز “ميو – هو – رنكة – كيو”.
يبيّن هذا المنظور (في كيفية حصول أحداث الحياة): أن الإنسان يحمل ضمنه تاريخه الشخصي مسجّلاً بدقة وحيادية، ويحمل ضمنه أيضاً الحُكمَ الذي قد صدر حول نوعية أفعاله السابقة، وتبعاتها المستقبلية (التي تنتظر الظروف المناسبة في المحيط لكي تظهر، إن سلباً أو إيجابا).
لذلك فليس هناك من اتجاه أكثر عقلانية وحكمة من الرغبة في الإنسجام والتفاني في التقدير لهذا القانون الكوني المقدس القيمة MyohoRengeKyo والذي هو حقيقة تدير وتحرّك حياة الوجود. ومجرّد وعي هذة الحقيقة يمهّد للطريق المباشر للوصول إلى حقل الإنارة وتجاوز أي معاناة.
بذلك المنحى من التفكير، يشير المعلّم نيتشيرين إلى أن حقيقة الكون وعمل قانون الوجود )ميوهو – رنكة – كيو) الذي يعطي مشاعر الإنسان طبيعتها – قدرة مقدسة موجودة ضمنه.
لذلك فإن أكثر الرغبات في حياة الفرد حكمة على الإطلاق هي رغبة الإنسجام التام (ويرمز لها ب Nam ) مع هذة القدرة الكونية. وهذة الوحدة بين الفرد وقانون الحياة هي حقل الإنارة : (myoho – renge – kyo – Nam ).
وكما يظهر من لفظ حقل الإنارة، فإن Nam تعبير عن الدافع الشخصي للفرد، بينما myoho – renge – kyo تعبير عن الحقيقة الموضوعية للوجود (قانون وحدة السبب والنتائج).
أي أن myoho – renge – kyo – Nam معاً تعبير عن اتحاد وتكامل مشاعر فكر الذات (والتي هي Subjective) مع حقيقة الوجود (التي هي Objective).
وبمنظور آخر: فإن الفرد - الذي هو “الكون الذاتي الأصغر” (microcosm) يصبح عبر الإنشاد في وحدة مع “الكون الموضوعي الأكبر"(macrocosm).
قانون الحياة يشمل كل ماهو موجود 🔗
ويشمل قانون الحياة - الذي يحدد لكل كائن وظيفته - ايضاً كل ما يوجد من نبات وتراب وظواهر طبيعية. فالعقلانية في النظر إلى الأمور تقتضي أنه لايمكن فصل الكائن الحي عن الهواء الذي يستنشقه أو الغذاء الذي لابد وأن يتناوله.
فمن وجهة نظر الضرورة في وجود الأشياء والكائنات ليس هناك من مبرر للفصل بين المادة الحية والمادة الجامدة المرتبطة بها.
الكائن الحي والمادة الجامدة التي يعتمد عليها – وجود متكامل. والطبيعة الحية وغير الحية معاً دون انفصال إنما تجسيد لجبروت وجود الكون بشكل كائنات حية ومواد تغذّي حياتها.
تكامل المادة والفكر دونما فصل بينهما 🔗
تعتمد النظرة التقليدية إلى موضوع الفكر والمادة على أسبقية الروح أو الفكر على وجود المادة والأشياء – بينما تطرح تعاليم اللوتس مفهوم تكامل المادة والفكر معاً، أو أن روح الفكر موجود ضمن ترتيب المواد وتكوين الكائنات، وليس خارجاً عنها.
يدعى اتجاه فصل المادة عن الفكر بالثنائية Dualism بينما يدعى اتجاه وحدتهما باللاثنائية Nonduality.
صحيح أن طبيعة المادة مختلفة عن طبيعة الفكر، ولكن هذا لايعني انفصال العالم الفيزيائي عن العالم الروحي. فإذا نظرنا في فكرنا إلى محتوياته فنحن نجد فيه انطباعات وصور عما هو موجود في العالم الفيزيائي. الفكر مرآة لصور الواقع.
أي أن محتوى الفكر يعكس العالم المادي بشتى تعدداته ويخلق منها مايشاء من صور. ولكن، في حين أنه يمكن لنا التحقق من وجود الأشياء في العالم الفيزيائي عبر صفاتها الماديّة ، فنحن، في نفس الوقت، لايمكن لنا أن الإدّعاء بوجود صفات ماديّة لما نراه في الفكر.
إن الفكر موجود حتماً إذ أننا نشعر به، ولكن وجوده ليس كوجود الأشياء المادية (والتي نميّزها بأعضاء الحواس الخمسة). على الرغم من ذلك، فالفكر والمادة لاينفصلان. أو بالأحرى الفكر والجسد في تكامل.
تدعى طبيعة الفكر بالكنه “ميوه myo " وتدعى طبيعة المادة ب “التجسيد ho " – وبذلك يدعى تكاملهما ب “ميوهو myoho “. هذا التكامل هو طبيعة وجود كل الكائنات. كل كائن له كنهه الخاص به الذي يتجسّد في شكله الخارجي.
فحين ننظر إلى كائن أو شجرة أو إلى أي موجود، فنحن نرى في الواقع شكلاً مادياً قد اتخذه الكنه الضمني للشيء المرئي ليظهر عبره. أي أن تكامل “الكنه الخفي” و"الجسد المرئي” هوالكيان الحي “ميوهو myoho” (روح الحياة الكونية قد تجسّدت في جسّد مادي).
وتأخذ المادة شكلها وتكوينها الخاص بها حسب وظيفتها في الوجود. وضمن هذة النظرة فإن طبيعة حياة كل فرد هي “ميوهو myoho”، كيان له وظيفة واتجاه وتطلعات خاصة به.
ولكن تصرف الكائن يؤثر بالضرورة على المحيط حوله وعلى الآخرين. وبهدف اتزان الوجود فإن “ميوهو myoho” يصدر ضمناً الإشارة الداخلية بالسعادة والرضى أو المعاناة والتشنّج – حسب نوعية التصرفات وتأثيرها.
التفكير الدوني واستصغار الذات 🔗
طالما أن حياة الفرد تحوي روح الكون (أو أنها بالأحرى إصدار من حياة الكون) ينتج إذن:
أولاً - أن كل الناس في تساوٍ تجاه قانون الحياة،
وثانياً - أن الفرد ليس دوناً لأحد.
الفكر الدوني يسيّر الإنسان إلى الشعور بالصغر والنقص - إذ خلاله يظن الإنسان عن نفسه كونه ذليلا تجاه هول وثراء الكون كسلطة خارجه عنه – بينما هي مصدره الشخصي.
وخلال التفكير الخاطىء بأن حقيقة الكون ليست ضمن فكر الإنسان بل يُظن وهماً أنها خارجه، ينتج الإعتقاد أن السعادة والنقاء في الحياة (أو وماهو قيّم ومقدس) يتواجد في مكان ما خارج عن كيان الفرد (الذي يظنّ عن حقيقته كونه دوناً).
يبيّن المعلّم نيتشيرين أنه لا يوجد في الواقع أرض مقدسة بحد ذاتها (أو مكان نقي بحدّ ذاته). كذلك لا يوجد في الواقع أرض غير مقدسة بحدّ ذاتها (أو مكان غير نقي بحدّ ذاته).
بل إن قيمة المكان الروحيّة أو نوعية الأرض إنما تابع لقيمة فكر الذين يقطنونها ويعكسون عليها نتائج تفكيرهم: خيراً كان أو شرأ.
إن مظاهر الدمار في الظروف المحيطة او مظاهر الإزدهار فيها لاتنبع من الأرض بحد ذاتها بل تتبع مايفرزه فكر قاطنيها.
زهرة اللوتس رمز اتزان السبب ونتيجته 🔗
كيف يمكن لظواهر الطبيعة - والتي فيها تضاد واختلاف - الإنسباك في لوحة رائعة الجمال والديناميكية؟ إنه لاشك في وجود نظام ينبض ضمن الطبيعة، يمكّن من ترابط الظواهرالمختلفة وتنوع كائناتها التي لايمكن حصرها.
يمكن وصف حركة أي ظاهرة طبيعية (أو فعالية أي كائن حي) على أنها “سبب” يؤدي حتماً إلى “نتيجة” (أو إلى انطباع ما، يؤثّر به على المحيط). والنتيجة أيضاً تصبح بحدّ ذاتها سبباً يولّد تبعات تالية، وهكذا.
ويظهر مفعول بعض النتائج والأحداث في فترة قصيرة نسبياً وضمن حيّز مراقبتنا لها، بينما تحصل نتائج أخرى بعد فترة أطول، بل ويمكن أن تكون مدتها خارجة عن نطاق معرفتنا.
المهم في هذة الملاحظة (حول كيفية حصول الأحداث) هو أن ارتباط السبب المعين بما يؤدي إليه من نتيجة، هو ارتباط حتمي لاعشوائية فيه، وهو أمر مفروغ من حصوله، بشكل دائم الصلة والتكرار (وهذا ماتعنيه كلمة: القانون).
هذا الترابط الحتمي بين السبب ومايؤدّي إليه من تبعات - هو بالذات ما يضمن تنظيم حركة العالم، لأن ديناميكية الفعل وردود الفعل ليست جزافية بل أنها في ترتيب يضمن اتزان الظواهر في حركتها الدائمة.
إذن، رغم التعدد الكبير في قوانين الطبيعة، هناك خلفية واحدة عامة تشملها بالكامل: هي قانون “وحدة السبب ونتيجته”. وهذا القانون في ترابط الأمور هو ما يمكّن الحياة من الوجود – إذ أن آليّة عمل الفيزيولوجيات الداخلية في الجسم وميكانيكية ما نقوم به من أفعال في المحيط، كل ذلك يسري حسب مبادىء عمل وتوافق في ارتباط الأساب بالنتائج، ليس فقط على الصعيد المادي بل وفي حقل المشاعر.
فاتصال أجهزة الحس بالعالم الفيزيائي سبب يثير انطباعاً في المشاعرالداخلية. مثلاً: استنشاق عبير زهرة سببٌ يثير انطباعاً ضمنياً من تقبّلٍ واحساس بالرونق. كذلك فإن سماع كلمات معينة تستدعي مشاعراً ذات تأثير مرافق لمضمونها.
هذا يعني أن “وحدة السبب والنتيجة” قانون يعمل في الواقع الفيزيائي المادي وكذلك في الواقع الروحي أو النفسي. إذ كما نعلم، فالتصرف النابع من دوافع دافئة قلبية سبب في تحريض مشاعر التناغم والرضى المشترك، والتصرف النابع من دوافع أنانية سبب في تحريض مشاعر النفور والإحساس بالإساءة.
وهذا يعني أن للحياة إرادة واتجاه وهدف، وأن في الوجود العام أيضاً إدراك وتفضيّل، لأنّ هناك من الأفعال ما يستدعي السعادة وهناك ما يستدعي المعاناة.
ومن دون شك، ليس هناك من رمز عملي لرابطة السبب والنتيجة أكثر وضوحاً من الكيان الأخّاذ لزهرة اللوتس التي تحوي البذور (التي هي السبب) في مركز الزهرة الكاملة (التي هي النتيجة) – مما يعطي اللوتس روحاً من المغزى.
كما سبق تقديمه، فإن حضارات إنسانية متباعدة على مدى التاريخ قد أدركت بإلهام فطري وجود مغزى روحي لزهرة اللوتس. وقد انجذبت تلك الحضارات بخواص عديدة للوتس (من نقاء وجمال وعطر وإحساس بالشمس وتجدد في دورة الحياة والموت).
ولكن سوترا اللوتس تنفرد في الإشارة إلى زهرة اللوتس من خلال وحدة السبب والنتيجة – وليس فقط الإنطباع الخارجي لما تثيره من احساس بالنقاء والجمال. فهناك الكثير من الزهور الرائعة التكوين، ولكنّ اللوتس تنفرد في إثارة الفكر حول معانٍ أكثرعمقاً.
وكما ذكر سابقاً، فمغزى زهرة اللوتس يتصل أيضاً بموضوع سكبها للبذور في ماء المستنقع لدى موتها – إشارة إلى مستقبل من الإنبعاث بعد الموت.
وبما أن تركيز تعاليم سوترا اللوتس منصّب على تحقيق الوصول إلى الإنارة في الحياة الحالية، لذلك باتخاذ هذة الزهرة كرمز مجازي تبيّن السوترا أن بلوغ هذة النتيجة المرغوبة بالإنارة لاينفصل عن السبب من الممارسات اليومية المؤدّية إلى الإنارة.
وفي هذا الموضوع تنفرد سوترا اللوتس بين كل التعاليم البوذية السابقة لها (والتي تعتبرها تعاليماً مرحلية كان هدفها الإقتراب التدريجي للتعاليم النهائية التي تمثّلها سوترا اللوتس).
ففي الفكر البوذي التقليدي (الأسبق لسوترا اللوتس) يسود الإعتقاد أن المرحلة التحضيرية للإنارة أو مرحلة البوديساتفا (التي هي السبب) هي مرحلة منفصلة ومتباعدة عن النتيجة النهائية – أي أن هناك زمن وحقب طويلة من الممارسات الروحية حياة بعد حياة. وخلافاً لذلك، تبيّن سوترا اللوتس أن تعاليمها تمكّن من دمج مرحلتيّ البوديساتفا (السبب) والإنارة (النتيجة) في نفس الحياة دون انفصال أو تباعد. لذلك تظهر كلمة اللوتس “رنكة Renge” في عنوان السوترا كناية عن مغزى القانون الكوني Myoho Renge Kyoالذي عبره يمكن بلوغ الإنارة في الحياة الحالية.
نسيج الوجود “كيو Kyo " 🔗
تشير سوترا اللوتس إلى القدرة الكونية في حياة الكائنات الحية (ميوهو myoho) والتي تسري حسب نظام مطلق (رنكة renge) يحدد لكل تصرف نتيجته - وتسري هذة القدرة بشكل متلازم في كل مكان وزمان ، قانوناً: " كيو kyo”.
يوجد لكلمة " كيو kyo” عدة معان تصف في مجموعها حركة القدرة الكونية في كل لحظة وكل مكان في الواقع الفيزيائي والنفسي.
وبذلك فإن “ميوهو - رنكة - كيو kyo renge myoho” تعبير صادرعن إدراك الإنسان المنار إلى “قانون الحياة الرائع” الذي يعمل ضمن حياته والذي يشمل حركة العالم وحياة كل فرد.
وبمعنى آخر، فإن حياة كل فرد تعبير عن “ميوهو - رنكة – كيو” حياة الكون. وبما أن الكون ليس لقيمته أي معيار ولا حدّ، لذلك فهو جدير بالإحترام والتقديس. وهذا المفهوم يعني إذن أن حياة الفرد أيضاً ذات قيمة لاتقّدر، لأن مصدرها حياة الكون، والذي هو ذات قيمة لاتقدرّ.
أما الأسلوب أو الطريقة التي يحياها الفرد في الواقع فهي تعبير عن مدى إدراكه لقيمة وقدسية حياته، أي لمدى إدراكه وتقديره لحياة الوجود.
وحين يدرك الفرد روعه وقيمة جبروت الوجود ويدرك أن للحياة إرادة واتجاه، فإن أكثر الرغبات حكمة ومعنى له هي رغبته في الوفاق أوالتفاني في الإتحاد مع إرادة قانون الوجود " ميوهو - رنكة – كيو”. هذه الرغبة في الإنسجام التام والتفاني يرمز إليها بكلمة نام Nam السانسكريتية الأصل، بما يجعل العبارة:Nam Myoho Renge Kyo إشارة إلى حقل الإنارة.
ندرة تعاليم سوترا اللوتس 🔗
يورد المعلّم نيتشيرين في نهاية رسالته “حول بلوغ الإنارة في الحياة الحالية” فقرة من سوترا اللوتس تشير إلى ندرة الفرصة في معرفة حقل الإنارة، وأنه من الحكمة أن لايبدد الفرد الإمكانية في تحقيق أكثر مافي الوجود من قيمة في الحياة.
هذا مايتضمنّه قول البودا : “بعد رحيلي من الحياة، يجب تقبّل هذة السوترا والتمسّك بتعاليمها، وفي هذا ضمان أكيد لاشك فيه للوصول إلى طريق الإنارة”. فحين كان البودا على قيد الحياة، كان من المعتاد أن يأتيه الناس للسؤال عن أمورهم للإستفادة من عمق حكمته، فماذا سيكون لهم من مصدر للتعاليم والقيمة بعد رحيله؟ يشير البودا إلى أن سوترا اللوتس تجسيد لفكره، لذلك فاعتمادها بعد رحيله هو بمثابة استدعاء فكره المنار – دون شكّ في ذلك.
إن أكثر ما يخربّ في نفسية أي إنسان ويضعف من اعتماده على نفسه وقدراته هو الشك بقيمته الذاتية مولّداً فيه الشعور بالريب والصغر والدونية. وهكذا الأمر أيضاً إذا سمح في تفكيره بالشكوك حول فعالية دواء ناجع، أي صدق التعاليم التي تمكنه من اكتشاف حقول من الإمكانيات العظيمة القيمة في حياته. وفي الواقع تكون الريبة بقدرة تعاليم اللوتس على الوصول إلى الإنارة مجرد انعكاس لإتجاه التخريب الداخلي في نفسية الفرد والذي يعمل لتشكيكه بقدرته وقيمته الذاتية.
وينهي نيتشيرين رسالته بتعبير الإحترام لمستقبلها، وبما يوحي أنه يؤمن بقدرة الفرد على النجاح في حياة قيّمة، ذلك أن الحياة الآمنة والمزدهرة ليست مصادفة، بل نتيجة لأسباب ماضية صحيحة أدّت إلى واقع مرغوب.