الفصل الرابع
زهرة اللوتس في العقائد الدينية القديمة 🔗
تسترعي اللوتس أولاً الجاذبية بصفاتها من النقاء والجمال، ولكن هناك ما يرنو في الفكر عميقاً في تصرّف الزهرة حين تتجه إلى الموت، إذ أنها تقوم - أثناء بدء موتها - بقذف بذورها الملقّحة لتندفن بذلك في قاع الماء،بدأً لتكرار دورة الحياة من جديد.
لاشكّ أن الهاجس حول الحياة والموت أمر فطري في دراما الحياة الإنسانية، قد ظهر وسجّل في معتقدات عدد من الثقافات. ويبدو أن اللوتس قد جذبت انتباهاً يوحي بدورة الحياة والموت – حسبما ورد من تسجيل حضارة المايا من أمريكا الوسطى، والحضارة المصرية القديمة، وحضارة شرق آسيا (الهند والصين واليابان).
زهرة اللوتس في معتقدات حضارة أمريكا الوسطى 🔗
انتشرت حضارة المايا في امريكا الوسطى بما يشمل حالياً جنوب المكسيك، غواتيمالا، بيليز وشمال هندوراس. وتعود أقدم آثار المايا الى حوالي 1800 قبل الميلاد على الساحل الغربي لغواتيمالا .
وبحلول عام ال 1000 قبل الميلاد اشتهرالمايا بإنجاز التقويم الكوني الذي سبب اهتماما واسعاً لدى الكثيرين، إذ أن ذلك قد أوحى أن تقديرهم للكون كان موضوع عبادة دينية. وقد انغمس كهنتهم في رصد حركة النجوم كما تدل حفريات لمرصد للشمس في منطقة سيبال في غواتيمالا. ويجدر القول هنا أن التقديس الروحي للشمس ومايرافقه من تقديس لزهرة اللوتس لدى المايا هو على ما يبدو الموضوع الوحيد المشترك مع الحضارات الأخرى، إذ أن بقية معتقدات وأساطير المايا - مختلفة تماماً عن تراث بقيّة الحضارات ، والتي لم يكن معها أي اتصال (حتى بدء الإستعمار الإسباني في القرن السادس عشر).

نظام العقائد الروحية للمايا كثير التعقيد، ولكن تكفي الإشارة هنا إلى تلك المعتقدات التي ركزّت على اللوتس، كأسطورة التوأم الكوني (الشمس والقمر) المرتبطة باللوتس، كما يظهر من جزء من رسم على السيراميك يظهر أحد التوأم محاطاً بزهرتي لوتس، يبينّه تصوير في بحث بعنوانLotus Serpent (*).
وتذكر بعض المصادر أن رسومات إله المطر Theotihuacan ترافقت مع زهرة اللوتس تخرج من فمه، كذلك تظهر زهرة اللوتس في كل مايرتبط بآلهة عالم الماء (*).

على أن المعتقد الديني الأكثر تصويراً في التراث المتوفر من حضارة المايا هو ماتذكره المصادر حول “القدرة الروحية على التحّول” Transformation من الواقع المادي الحالي إلى حقول سماوية من المشاعر تتخطى الزمان والمكان. وتظهر الرسوم الأيقونية على كؤوس أو حاويات سيراميكية استخدام اللوتس في هذة الطقوس الكهنوتية حيث كانت تضاف إلى مشروب ذو مفعول مخدّر ينقل الكاهن (أو الشامان) إلى عوالم غيبية من حقول تتخطى الواقع اليومي. وهذة القدرة على التحول الروحي تمثلها زهرة اللوتس التي تحيط بحيوان الجاكوار – والذي يؤمّن بقوته عنصر “الحماية” في هذة الرحلة الروحية الخطرة للفرد بعد تعاطيه مشروباً خاصّاً تدخل زهرة اللوتس في تركيبه. وفي هذة اللوحة الخزفية (**) يظهر جاكواراللوتس في عنفوانية واتقاد تعبيراً عن القدرة الروحية “للحماية” التي يحتاجها الفرد في رحلته، بينما تمثّل اللوتس قدرة “التحوّل” من الواقع الراكد إلى عالم ساحر الرونق.
ومن ضمن الكثير من المعتقدات والآثار التي تركها المايا حول احساسهم الفطري بالقيمة الروحية للوتس، هناك مايستدعي الدهشة حقاً لتوارد نفس طرائقية التفكير مع حضارات أخرى حول ارتباط اللوتس بموضوع الحياة والموت، وارتباطها أيضاً بالإنسان.

ففي كلتا الحضارتين، الشرق-آسيوية والمصرية القديمة، هناك تركيز واضح حول ارتباط اللوتس بالإنسان، حيث تقرن اللوتس بظهور طفل أو رجل أو إمرأة ضمن الزهرة، وكذلك الأمر في حضارة المايا. فمثلاً يوضح وصف لهذا التمثال الخزفي المصمم بدقة فنيّة، كما يقدّمه متحف بروكلين (*) - أنه أحد مئات من التماثيل المشابهة وجدت في جزيرة جايا في المكسيك - ويمثّل رجلاً مرصّعاً بالجواهر ينبثق من زهرة اللوتس. وبما أن هذة الجزيرة كانت موقعاً لدفن النخبة من أفراد المايا، فإن مغزى البزوغ من اللوتس (المرتبطة بالعالم الغيبي في الفكر الكوني للمايا) - يشيرعلى الغالب إلى تجديد الحياة بعد انتهاء فترة الموت.
(وجدير بالذكرفي هذا الصدد أن ارتباط اللوتس بمدافن النخبة من المايا يذكّر بهاجس مشابه في تقاليد الحضارة الفينيقية البعيدة، حيث تظهر أكاليل اللوتس على التابوت الحجري للملك أحيروم في بلدة جبيل في لبنان - رمزاً لتجدد رحلة الملك الراحل إلى حياة قادمة).
الأدعية الدينية المسجلّة في “كتاب الراحلين” في مصر القديمة 🔗
يضم “كتاب الراحلين” The Book of the Dead (أو ما يسمّى أيضاً ب"الخروج للنهار" بعد الموت) - عددا كبيراً من الأدعية أو الترانيم الدينية، والتي كانت توضع في مومياء الراحل لأجل حمايته من أخطار حقل الموت )ولأجل مساعدته في يوم الحساب أمام آلهة الكون عما كان قد فعله في الحياة(.
وبالإضافة إلى نصوص الأدعية المكتوبة، كانت تصاوير زهرة اللوتس تظهر بشكل طاغ وهي ترافق الراحل حين يقابل الآلهة، مشيرةً بمجرد وجودها إلى نقاء سجلّه الحياتي )كما يوحي به نقاء اللوتس(. وقد دأب المصريون القدماء - بالإضافة إلى الكتابات على ورق البردي - على تسجيل وافر جداً للطقوس الدينية بشكل منحوتات على جدران المعابد تظهراللوتس بألوان لاتزال مزدهرة الآن حتى بعد ألآف السنين.
ونجد في نصّ بعض الأدعية تحقيق رغبة الراحل نفسه في التحول إلى زهرة اللوتس (أو الظهور إلى الحياة من جديد عبر زهرة اللوتس)، فمثلاً :
تنصّ الترنيمة التي يرمز لها ب 81A في “كتاب الراحلين” على الرغبة في “التحوّل إلى زهرة اللوتس”. ولربما كان هذا الدعاء إعلاناً بشكل شعر مجازي حول رغبة الراحل في تحويل حياته المقبلة إلى نقاء كما تحوّل اللوتس مواد المستنقع إلى كيان بديع الشكل والرائحة:
ها أنذا قد تحوّلتُ إلى لوتس النقاء
قد صدرتُ من تألق المجد و الضياء
عطراً يسري إلى أنف إله الشمس رع
ها أنذا قد عبرت المسار
لكي أقدمها إلى إله السماء حورس
فأنا من بزغ من خصوبة الأرض
غزيرةً نقيّة من صفاء.
هناك عدد من المصادر لترجمة الأصل الهيروكليفي لهذة الترنيمة إلى اللغتين الإنكليزبة والعربية. وهي ترجمات فيها تقارب وفيها اختلافات. الترجمة المذكورة أعلاه هي حصيلة المغزى العام لهذة الترجمات، وليس حرفيتها - فإيراد هذة الترنيمة في الموضوع المعروض هو لتبيان استخدام زهرة اللوتس في عمق الكتابات الدينية القديمة - وتقديم هذة الترنيمة هنا يركزّ على مجرّد اعتبار اللوتس محط تقدير وقدسيّة.
هناك ترنيمة مشابهة حول “التحوّل إلى زهرة اللوتس” ويرمز لها ب81B :

يا أيتها اللوتس
حيث يحيا إله العطر نفرتم
ها أنذا الكائن الذي يعرفك بالإسم
ومن يعرف بالإسم جميع الآلهه
في حقل جبروت الموت
ذاك لأنني واحد منكم، ألا فاسمحو لي أن أرى القدرات المقدّسة في العالم
الأدنى. ألا فامنحوني وجوداً مريحاً في عالم الموت بجانب سادة الغرب،
ألا فلأتخّذ لنفسي مكاناً ً في الأرض المقدسة ، وأتلقى الهبات والقرابين أمام
سادة الخلود، ولتسبر روحي الوجود بانطلاق وحريّة إلى أي مكان ترغب
دونما عائق في عالم التاسوع المقدسّ.
على الرغم من وجود قواميس لترجمة اللغة الهيروكليفية – إلاّ أنّ الترجمة الحرفية لا تمكّن من معرفة روح الكتابات أو مغزى النصوص القديمة. فعبارة “التاسوع المقدسّ Ennead” تشير إلى مجموعة من القدرات الكونية التي تمثل الصراع بين قوى الخير والشرّ، وهذا الصراع إنما يجري - كما هو معروف - في واقع الحياة اليومية. لذلك فالجملة الأخيرة للدعاء المذكور أعلاه تشير إلى رغبة الروح في الإنطلاق بحرية دون عائق في عالم الحياة مجدداً (بعد عبور حقل الموت). ودور اللوتس هنا - على الغالب - هو الإشارة إليها كمركبة للخروج إلى “النهار” أو إلى الحياة مجدداً بنقاء ورونق.
وتظهر اللوتس أيضاً في ترنيمة مصنّفة برقم 174 وعنوانها:
دعاء لأجل أن تعبر الروح بوابة السماء العظمى:

هاهو ذا إبنك يسعى بالفعالية نيابة عنك.
إن الجبابرة لترتجف رعباً وهم يرون السيف
في يدك حين تنبعث حياً من العالم الأدنى.
ألا تحية لك وإجلالاً لك يا سيّد الحكمة. هاأنذا قد ولدت من جديد ……
فأنا قد صدرت من بين فخذي التاسوع المقدس
وولدت من نجم لامع الضياء بعيد المسار يجلب إلى إله الشمس رع
عطاءً من ثراءٍ قد بزغ من بعدٍ عميق. ها أنذا قد بزغت نجماً في جسد….
أيها المقاتل: ألا فابلغ الإنسان النبيل
أنني كيان هذة الزهرة من اللوتس قد بزغت من عمق الأرض.
هذة السطور منتقاة من بعض أقسام النص الطويل والمكثّف جدّاً لمحتوى هذة الترنيمة، والتي تنقل الراحل إلى أجواء احتفالية الولادة من جديد، مزدانة بالنجوم والضياء والقدرة القتالية ضد قوى الظلام، وتشير إلى العودة للحياة: كاللوتس تبزغ من عمق الأرض.
زهرة اللوتس في التعاليم الدينية في شرق آسيا 🔗
تكاد لاتخلو أي من الديانات التي ظهرت في شرق آسيا من الإشارة إلى اللوتس بأسمى تقييم واعتبار.
وهذا التعميم يشمل الهندوسية، التاءوية، البوذية، الجينية، السيخية، الكونفوشية، الشينتو وكذلك في الديانات التيبتية والبهائية – اجماع يتفوق على كل الإختلافات العقائدية فيما بينها.
اعتبرت اللوتس الزهرة الوطنية لفييتنام والشعار الوطني للهند، وهي تظهر أيضاً على علم ماككاو التابعة للصين، وكذلك يستخدمها شعاراً عدد من الولايات المحلية - أي أن الزهرة قد انتقلت من رمز ديني إلى شعار وطني.
هناك عدّة كلمات تعرف بها زهرة اللوتس, ومنها كلمة Kamala ( * ) كما ذكر سابقاً. وثمة مصادر تشير إلى أن كلمة اللوتس يشار إليها أيضاً بتهجئة “كمال” Kamal ( ** )، كما في معبد لديانة الجاين Jain (***) التي هي أحد أكبر ديانات شرق آسيا بالإضافة إلى الهندوسية والبوذية.
وسيقتصر فيما يلي الإشارة إلى لمحة عن مغزى اللوتس في الهندوسية بشكل عام، ثم إلى ما تطور عنها من الفلسفة البوذية بفرقها المتعددة.
كما قد سبق ذكره، تشير الهندوسية في أساس معتقداتها إلى المراحل الثلاثة للحياة : مرحلة الولادة، ثم مرحلة النمو، وأخيراً الموت - بإعطاء كل منها إسماً لقدرة دينية تسمى في مجموعها “الثالوث المقدس” وفيه يمثّل “براهما” Brahma الخالق الذي يولّد العالم، ثم “فيشنو” Vishnu أو قدرة الإستمرارية والحماية، وأخيراَ الإلهه “شيفا” Shiva قدرة الدمار أو الموت . على أن هذا الشرح اختصار بالغ النكثيف لمجمل بالغ التعقيد والتفصيلات.

ودون الدخول في تفاصيل نظام هذة الآلهة المتعددة وتفرعاتها، فإن المهم هنا هو مرافقة زهرة اللوتس لأصل الوجود حسب المعتقدات الهندوسية – كما تظهر هذة اللوحة التعبيرية تلك القدرات الإلهية المذكورة، متربعة على اللوتس بعد خروجها منها. (*)
هناك عدد كبير جدّاً من القوى التي تؤثر في حياة الناس والتي تعطى في الهند اسم “الآلهه” - مذكّرة أو أنثوية - وغالبيتها مرتبط تلقائياً باللوتس، كما تبدو الآلهه “ساراسواتي” التي تمثّل المعرفة والعلوم، جالسة تعزف الموسيقى على لوتس بيضاء اللون تحملها أوزة كلوحة ترمز إلى النقاء والإنسجام (**).

إن ماذكر هنا في صفحة واحدة (حول مغزى اللوتس في الحضارة الهندوسية) لايتعدّى كونه مجرد اشارة صغيرة وسطحية للغاية: إذ أن عدد المصادر حول هذا الموضوع من مختلف المراجع يفوق لربما عشرات الآلآف من الصفحات .

رغم اختلاف وجهات النظر الدينية في الديانات الشرقية، على ان ما يوحدّها هو التقدير الروحي للوتس. فهناك عدد من الإختلافات بين العقائد الهندوسية والتعاليم البوذية (حيث تهتم البوذية بموضوع إنارة الإنسان ولاتتطرق إلى موضوع الآلهة) - ونجد هنا أن الإنسان المنار قد حلّ محل الآلهه الهندوسية في ظهوره من زهرة الوتس.
ظهرت البوذية بهدف الإجابة على السؤال:
“لماذا تحصل المعاناة، وهل يمكن الوصول إلى وضع الإنسجام والسعادة والقيمة؟”. ولو أدرك المرء مسبقاً النتائج اللاحقة لما يقوم به من أفعال لكان بإمكانه تفادي الوقوع في وضع المعاناة، ولاتّجه إلى الأسباب المؤدية إلى وضع الإنسجام. أي أن الحل يكمن في إدراك الرابط أو القانون الطبيعي الذي يربط السبب (أو الفعل) بنوعية النتيجة المستقبليّة له، أو التبعات الناجمة عنه.
إن كنه هذا الرابط (أو قانون السببيّة) هو ما يحدد نوعية الأحداث ومسار الحياة. فهو إذاً قانون مطلق البتّ، وميكانيكية عمله تحصل في ضمن حياة وفكر الفرد وليس خارجاً عنه. فحين نقوم بفعل ما فهذا سبب (يتسجّل تلقائياً في ذاكرة العقل الباطن) - ويحتوي في روحه النتيجة اللاحقة له (والتي ستظهر حتما ًحين تتوافر الظروف). أي أن أمور الحياة ونوعيّة المعاملات ونتائج الأفعال التي يحددها قانون السببية العامل ضمناً - هي من مسؤولية الفرد.
ولايقتصر عمل قانون السببية على العلاقات الإنسانية فحسب: فكل ما في الطبيعة من كائنات حية، وكذلك كل الظواهر الفيزيائية إنما تتبع في كل تحولاتها هذا القانون المطلق للوجود، الذي يربط أسباب حركتها أو فعالياتها بما تولّده من نتيجة في الواقع.
هذا المبدأ الأساسي في حركة الوجود هو بالذات ما تمثله زهرة اللوتس من ضمن صفاتها العديدة: قانون ترابط السبب الماضي بالنتيجة اللاحقة كما أشير إليه قبلاً.
وانعكاس هذا المبدأ على الواقع الإنساني هو الإشارة إلى أن النقاء والسعادة في حياة الفرد هي “نتيجة لسبب قام به الفرد”، كما أن المعاناة كذلك “نتيجة استدرجها سبب ما ضمن الفرد”. فإذا أصبح الفرد قوياً ضمنياً فهذا سبب لابد وأن يؤدي إلى حياة أكثر أمناً ومناعة. ولذلك تصبح زهرة اللوتس رمزاً للإنارة الداخلية لحياة الإنسان في إدراك مسؤوليته تجاه مصيره وقدرته على ازالة أسباب المعاناة وعلى تحريض وضع التوافق الضمني والسعادة، كائناً في انسجام وهارمونية مع قانون الوجود: القانون الذي يفرض مقّدماً نوعية ارتباط السبب والنتيجة.
ولد البودا شاكياموني في حوالي العام ال 500 قبل الميلاد في شمالي الهند (لومبيني باركLumbini حالياً في نيبال) في منطقة ذات جمال ساحر على سفوح جبال الهيمالايا. وقد أعطي اسم سدهارتا Sidhartha (ويعني : “هدف محقق”) لدى ولادته ابناً لملك من عشيرة ال"ساكيا"- محاطاً بالثراء والإحترام. تزوج “سدهارتا” في عمر السادسة عشرة من “ياشودارا” وأنجب منها ابناً في ظروف توفّر الإستمتاع بحياة هانئة ضمن ظروف من الحماية والرخاء. ولكن الأمير لم يكن كثير الإهتمام بالمركز الإجتماعي، بل كان دائم التفكيرحول معاناة الآخرين. كان السؤال: “كيف يمكن التغلب على المعاناة ؟” الهاجس الوحيد لسدهارتا. ويقال أن هذا الإهتمام بمعرفة أسباب المعاناة قد نما في فكره بعد أن أدرك مدى الآلآم التي يعاني منها الناس خارج القصر، معاناة هائلة بحد الموت.
وفي عمر التاسعة والعشرين قرر “سدهارتا” مغادرة القصر بعد أن أمّن على أوضاع عائلته هناك، ليصبح دون مأوى عامداً بإرادته ، ممضياً الوقت في التعبّد والتأملّ لأجل الوصول إلى حقيقة الحياة وإلى حل لقضيّة المعاناة.
استمرّ البحث الروحي العميق الذي قام به “سدهارتا” ستة سنوات، حيث توصلّ في عمر الخامسة والثلاثين (حين كان في منطقة “بوداغايا Bodhigaya " جالساّ في تأمل عميق) إلى حالة الإنارة الفكرية والروحية الأعلى في حياة الإنسان. وقد تم له ذلك بعد أن هزم في ضمن فكره العداء الداخلي للإنارة من قوى الإساءات والتشكيك. ومنذ ذاك، أصبح “سدهارتا” يدعى بالبودا Buddha أي “الإنسان المنار”. بذلك بدأ شاكياموني رحلة تفوق مدتها أربعين سنة من الإرشادات والتعليمات الهادفة إلى شرح وجهة النظرة البوذية في ما يحصل من أحداث في حياة الناس والمجتمع، مبيناً المبادىء التي يمكن بواسطتها تأمين حياة آمنة سعيدة وذات معنىً وقيمة.
كان البودا يقدّم تعاليمه بالتدريج ويهيىء الناس لتلقيّ المفاهيم الأكثر عمقاً بسلاسة. فبعد التعاليم المبدئية (أو مايسمى بالهينايانا)، قدّم البودا تعاليم الماهايانا (المركبة الكبرى للإنارة) - وأتّم التعاليم النهائية للبوذية في سوترا (أو سجل) اللوتس Lotus Sutra.
ثم بعد عدة سنوات من إرشادات “سوترا اللوتس”، توفي “ساكياموني بودا” في عمر الثمانين