⚙︎
عودة للموقع ←


الفصل الثامن


مقتطفات من كتابات نيتشيرين 🔗

من المفيد تقديم ومضات سريعة من رسائل نيتشيرين، لأجل فهم أوسع لفلسفة اللوتس. وكما قد كتب في أحد رسائله: “إن قطرة واحدة من ماء البحر تعطي فكرة عن مذاق لجّة مائه بالكامل” – وتبعاً لهذا، فالتركيز على مقطع كتابي معيّن أو إيراد عدة جمل فقط من كتاب مكثّف يمكن أن يعطي فكرة جيدة عن المقصود من روح النص.

يبلغ مجمل الكتابات النيتشيرينية ما يتجاوز ال 400 رسالة بحجوم مختلفة يبلغ مجموعها آلآف الصفحات. وكثير منها يحوي وصفاً دقيقاً لأحداث تاريخية قد جرت في فترة كتابتها أو في فترات تاريخية سابقة، وكثيراً من التفصيلات. على أن المهم في حيّز هذا الكتاب هو مجرد ايراد مقتطفات مركزة لتوضيح مفاهيم فلسفية عامّة.

وبما أن الترجمة الحرفية لايمكن لها إعطاء كنه المقتطفات، كان لابدّ من الإستعانة بشروحات تلقي الضوء على المقاطع المذكورة بما يفيد في الإيضاح.

إني لا أعرف شتاءً لم يتبعه الربيع 🔗

“قد يبدو للوهلة الأولى أن الذين يتبعون تعاليم اللوتس يكافحون في الحياة اليومية كما لو أنهم في جوٍّ عاصف أو شتاءٍ قاس. ولكن الشتاء يتبعه الربيع.

لم يحصل أبداً - منذ أقدم العصور – أن رأى أوسمع أي إنسان عن فصل شتاء قد تغيّر إلى الخريف.

كذلك لم يحصل أبدا أن سمعنا عن إنسان يتبع تعاليم اللوتس قد تحوّل إلى فرد فاقد لقدرة الحكمة.

هذا ما تؤكدّه السوترا حين تذكر أن كل فرد يتناهى قانون اللوتس إلى سمعه أو سمعها سيصل إلى ثراء حقل الإنارة – لا شك في ذلك “.

في هذا القول، يبيّن نيتشيرين أن مجابهة المصاعب والكفاح في الحياة اليومية يبدو لنا بالمقارنة وكأنه مقاومة شدّة العواصف في فصل الشتاء القاسي. ولكن الحكمة تقتضي وجوب رؤية هذا الوضع على أنه مرحلة زائلة - كما نحن ندرك مرحلة زوال الشتاء ليحل محله جو الربيع الذي يعد بالدفء و النمو والإزدهار.

وفي الإيحاء بتماثل وضع الصعوبات التي نجابهها مع أحوال الشتاء القاسي والذي هو قيد التغيّر في الزمن، يمدّ نيتشيرين القارىء بالثقة مذكّراً أن زوال المعاناة أمر متوقع، كما هو الحال في تغيّر الظواهر الطبيعية المعروفة.

ويظهر من روح كلمات التشجيع ومن الوعد بتغيّر الأوضاع إلى أفضل – دافع التعاضد مع الآخرين وبث الأمل كمبدأ أساسي في التصرّف الإنساني الصحيح.

العواصف الثمانية 🔗

“من هو الإنسان الجدير حكمةً وقيمة؟ إنه ذاك الذي لاينجرف بتأثير الظروف المحيطة – أي الذي لا تستطيع أن تجتاحه العواصف الثمانية :

الرخاء أو الإنحدار- الإهمال أو التكريم.

المديح أو الإنتقاد - والمعاناة أو السرور.

إنه ذاك الذي لايغالي في الإبتهاج حين يسوده حال الإزدهار، كما أنه لايغرق في الأسى في وضع البؤس والإنحدار. تأكدّ أن قدرات الحياة الإيجابية تدعم من لاينحني لتأثيرات المحيط”.

يشير نيتشيرين في هذا المقال إلى ارتباط حكمة وقيمة تصرف الفرد بمتانتة النفسية،التي تتجلّى في الحرية من ضغوطات المحيط. لاشك أن للظروف الخارجية تأثيرها على الفرد سلباً كان ذلك أو إيجاباً: إذ أنه من الممتع سماع الثناء ومن الطبيعي الشعور بالإستياء لدى اللوم والإنتقاد. ولكن إلى أي حد يضع الفرد وضعه النفسي رهينة لآراء الآخرين أو للأحوال المتغيرة؟

إن التأثّر بالأوضاع أمر طبيعي في حياة الإنسان، ولكن الإنجراف والمبالغة بالتأثّر بضغط الظروف الخارجية يزيح رسوخ الفرد ويسيء إلى مستوى عقلانيته في ردود فعله. وهذا الوضع تعبير عن الضعف والهشاشة النفسية، بل وعن التبعية لآراء الآخرين والإستخفاف بقيمة الذات.

ولاشك أن الإنسان المتين يلقى الإحترام والدعم في حياة من القيمة والرسوخ.

الأسباب الأربعة عشرة للمعاناة 🔗

“ماهي الدوافع التي تسّير إلى دمار لاحق في حياة الإنسان؟

هناك أربعة عشرة سبب للوقوع في جحيم المعاناة اللاحقة، تتجلى في دوافع:

  • التكبّر، العجرفة والإستعلاء على الناس
  • الإستهتار والإستخفاف بمقادير الأمور أو بالمشاعر
  • الأحكام الأنانية السطحيّة وعشوائية التفكير
  • الغرور والعناد في الإعتقاد بصحّة الرأي الشخصي
  • الإستغراق والإسترسال في الرغبات الماديّة
  • الخمول والكسل وعدم الرغبة في التعلّم
  • التكذيب ورفض الحقائق
  • النفور والتهرب من مجابهة المسؤولية
  • المخادعة والتضليل بهدف التشكيك بالحقيقة
  • التنشهير وإهانة الآخرين
  • إزدراء الآخرين وعدم تقدير قيمتهم الحياتية
  • بث الكراهية الشخصيّة
  • الغيرة و الحسد
  • الضغينة ورغبة الإيذاء “.

يشير نيتشيرين هنا إلى نوعية الدوافع التي تؤدي إلى حصول معاناة لاحقة حسبما يحدده قانون وحدة السبب بنتيجته، علاقة مبتوت في حتميتها.

إنارة جميع النساء 🔗

“فقط في سوترا اللوتس يتناهى إلى إدراكنا أن المرأة التي تعتنق تعاليمها تصبح قادرة ليس فقط على السمو بين كل النساء، بل وعلى التفوّق على كل الرجال”.

يبيّن نيتشيرين في رسالته (*) أنه - خلافاً لجميع التعاليم السابقة لسوترا اللوتس، والتي لم تعط المرأة حقها في بلوغ الإنارة في جسدها الأنثوي – فإن اللوتس تؤكّد أن حقل الإنارة موجود بالطبيعة في كل الناس دون أي تمييز.

ولأجل توضيح هذا المفهوم لجأت السوترا إلى ايراد قصّة حول وصول فتاة صغيرة إلى حقل الإنارة الفكرية والروحية (بما أثار استغراب كل الرجال).

وفي رسائل مماثلة (**) كان نيتشيرين يشير إلى بعض اتباعه من النساء بكونهم “بودا” أي “إنسان الإنارة”:

“والآن، هاهي امرأة قد تأججت فيها الرغبة في سوترا اللوتس وسوف تصبح هي البودا دون أي شك”.

ويقابل هذا الإنفتاح الراديكالي في البوذية النيتشيرينية (والغير معهود في المجتمع) حول مساواة النساء والرجال - يقابله نظرات دونية متخلفة في تقاليد بوذية سابقة لتعاليم اللوتس، تشترط في إنارة المرأة ولادتها في حياة تالية كرجل. ورغم وجود كاهنات في تقاليد بوذية مختلفة، إلاّ ان شروطاً وتعقيدات تفرض حول ممارستهن بما يبيّن وضوحاً انحياز وتفضيل للرجل ، وذلك لأن تلك التقاليد لاتعتمد سوترا اللوتس أساساً لها.

أندر مافي الوجود 🔗

" كل كائن حي، في أي من أوضاعه النفسية، يمكن أن يبلغ حقل الإنارة جسداً فكراً وشعوراً في حياته الحالية - في الواقع الحاضر الذي يحياه دون أي تأجيل.

إن هذة الحقيقة من الندرة والروعة بحيث تبدو كمعجزة. ولكن أليس من الغرابة والرونق أن يكون بمقدور حجارة قد أخذت من قاع النهر أن تولد شرارات نارية لدى احتكاكها ببعض – أو أن ضوء شمعة يمكن أن ينير كهفاً كان قد غرق في ظلام دامس لمئاتٍ أو لالآف من السنين”.

كثير من الظواهر الطبيعية يثير في فكر الإنسان شعوراً بدهشة ممتعة حين يفّكربعمق معناها، ويثيراستغراباً ساحراً بوجودها. وكما أن ضوء شمعة بسيطة التكوين يمكن أن يلج المكان مخترقاً ظلمات كانت تبدو مرعبة على مدى عصور، كذلك يرمز نيتشيرين إلى عبارة الإنشاد كرشقة من نور ينير ظلمات النفس الإنسانية الغارقة في الجهل والمعاناة. وقد ولّد هذا المفهوم استغراباً لدى الكثيرين. إذ كيف يمكن لممارسة الإنشاد - وهو طريقة سهلة لاتعقيد فيها - أن تؤدّي إلى ايصال الفرد المثقل بالكارما والمشاعر الدونية - مباشرة إلى وضع تزول فيه كل التشنجات والمشاكل؟

يبيّن نيتشيرين أن المشكل ليس في تراث الماضي المظلم، بل في عدم مقدرة الطرق الروحية السابقة على مساعدة الفرد للخروج من المعاناة. وقدرة الإنشاد هي من قدرة قانون الوجود الذي ليس تجاهه عائق، بما يمكّن الفرد من بلوغ حقل الحرية والسعادة مباشرة في واقعه اليومي.

السعادة في هذا العالم 🔗

“لاشك أنك ستجد في الحياة أوضاعاً من السعادة، وأوضاعاً أخرى من المعاناة. لذلك اعبر حقل المعاناة حين تستدعي ذلك الأوضاع، واستمتع بحقل السعادة حين تستدعيه ظروف الحياة.

عليك أن تعتبر كلاّ من مشاعر الشقاء ومشاعر السرور – حقيقة لامفرّ منها في واقع هذا الوجود.

المهم هو أن تستمر في تمتين حياتك بالإنشاد “نام – ميوهو – رنكة – كيو” مهما كانت الأوضاع، كائناً في اتساق مع قانون الحياة.

أليس هذا مدعاة للإبتهاج الذي ليس له حدّ أن تكون في انسجام مع قدرة قانون الكون؟ قم بترسيخ ثقتك باستمرار بقانون الحياة الكونية”.

في ايراد هذا التوضيح حول حقيقة الحياة اليومية من كونها تحوي كلاً من السعادة والشقاء، يلقي نيتشيرين الضوء على فارق كبير بين فلسفته المبنيّة على تعاليم اللوتس من جهة، والمذاهب البوذية السابقة للوتس، من جهة ثانية.

فالمذاهب البوذية التقليدية تعتمد على نظرة متشائمة تعتبر المعاناة أساساً في الحياة، وفي هذا تناقض فلسفي حيث أن وضع الشقاء لايوجد بدون وجود ماهو ضده، كما أن وضع الإستمتاع لايوجد بدون وجود نقيضه. أي أن لكلا الحالين وجود ينبغي الإعتراف به بصدق في الرؤية دون استغراق في التركيز على أحدهما فقط.

السعادة الحقيقية تكمن في شعورالإطمئنان إلى المقدرة الذاتية على تحويل أوضاع الحياة إلى اتساق وقيمة والتغلب على كل المصاعب.

إنسان الحكمة يجابه الإضطهاد دون خوف من أحد 🔗

“يتوجب على كل فرد منكم أن يستجمع في روحه شجاعة الأسد ولا يأبه لأي تهديد من أي جهة كانت. فالأسد ليس في روحه خوف وكذلك الأشبال.

تيقن أنه لايمكن لأي قوة في الوجود أن تؤذي نيتشيرين، مهما تدججت شراً وعدوانية، ذلك لأن قدرات الكون تمد نيتشيرين بالحماية.

استمر في تقوية ايمانك بذاتك المنارة يوما بعد يوم وشهرا إثر آخر. وعليك أن تدرك أنك إذا تهاونت ولو قليلا فإن القوى السلبية ستنتهز من ضعفك فرصة لفائدتها”.

في هذا المقطع من رسالة لنيتشيرين إلى أتباعه الذين جابهو حملات من الإضطهاد والإساءات، يشير إلى وجوب عدم الخضوع لأي تهديد من أحد. ويشبّه تهديدات المعادي كعواء فارغ نسبة إلى الزئير، فالصوت الصادر من روح لاتعرف الخوف كفيل بتحريض جوّ من الإنتصار.

ولم يكن ما أشار إليه نيتشيرين بوجوب عدم الخضوع للتهديد مجرد كلمات شعرية بل كان تذكيراً بحقائق قد عاشها بنفسه، جابه فيها هجوماً متتالياً بعد آخر من قبل أشرس الأعداء عنفاً – والذين استطاع هزيمتهم علناً. وكان رسوخه في المواقف وصلادة رنين صوته الفاقد لأي خوف مدعاة استغراب لأعدائه - بل أيضاً ولأتباعه الذين تساءلو في حيرة: من أين له بهذة القدرة النفسية والفكرية التي تجعله في روح عالية تفوق الجميع في المواقف والتي عبرها سالماً من أي سوء؟ وتجاه ذلك التساؤل يجيب نيتشيرين أنه إذا كانت قدرات الكون تدعمك، فمن له المقدرة على مقارعتك؟

سفينة عبور بحر المعاناة 🔗

“تشير تعاليم سوترا اللوتس عن كنهها كما لو أنها سفينة لعبور بحر المعاناة. وإن من يجسّد تعاليمها يصبح إرساليتها في حياته، تمدّه بالحكمة والقدرة بحيث لاتؤثر به مشقّة أو صعوبة.

بل إن تزايد التحديات يستدعي فيه شعوراً بالحبور بسبب ثقته بما يكتسبه من قدرات. ألا تتأجج النار اتقاداً حين تلتهم وقودها؟ ألا تنصب الأنهار في البحر الذي يرحّب بها ولايردّها على أعقابها؟ كذلك فإن إنسان اللوتس لايرفض المصاعب والمشقات لأنه لايرفض التحديات بل يعتبرها مواداً أولية لتحويلها إلى أوضاع من القيمة والإنسجام”.

“ينص الفصل العاشر لسوترا اللوتس: إذا كان هناك شخص ما - سواءً رجل أو امرأة – يعلّم سرّاً ولو عبارة ما من هذة السوترا، إذن ليكن معلوماً أن هذا الشخص إرسالية من الإنارة لمساعدة الآخرين”.

“إن من يسعد ولو بعبارة واحدة من السوترا يشبه ملاّحاً يقود سفينته عبر بحر المعاناة إلى شاطىء الإنارة”. هذة السفينة هي مركبة ’ميوهو رنكة كيو’ ومن يستقلها هو من أتباع نيتشيرين. كن واثقاً من ذلك بعمق قلبي.”

يشبّه نيتشيرين تعاليم اللوتس بمركبة لاجتياز حقل المعاناة بين الولادة والموت. ويشير إلى مفهوم غريب صعب التصديق وهو أن من يستمتع بتعاليم روح اللوتس إنما هو إرسالية من عالم الإنارة إلى الذين يعانون – وكأنه أو كأنها افاتار Avatarأو مبعوث من البودا لأجل مساعدة الآخرين.

قدرة التحوّل من الضعف إلى القوة 🔗

“هاقد تحوّل طير الحمام الزاجل إلى صقر كاسر يمتلك السماء. ياللحبور! لقد بزغ في ذاتك التحوّل عبر استنارتك بالتعاليم النيتشيرينية. وكما الشجر المنتصب ينمو في الحقل شامخاً، قد تعلمت كيف تقف بانتصاب وعزّة”.

لأجل التغيّر من حال الضعف إلى المتانة النفسية في معالجة الأمور لابد من وعي للتعاليم التي تمكّن من إحياء القدرة الضمنية للتحول نحو الأفضل.

ومبدأ “التحوّل نحو الأفضل” Transformation يطابق في كنهه ماترمز إليه زهرة “اللوتس” التي تنمو في المستنقع الراكد، عبر تحويل ماحولها من عشوائية المواد الطينية الفاقدة للجمال إلى كيان من الرونق والمعنى. وهذا المبدأ الطبيعي في “تحويل المواد” يعمل في ميكانيكية حياة كل النباتات - والذي تظهره اللوتس بشكل رمزي واضح في بزوغها بانتصاب في وسط المستنقع دون أن يعيق نموها شيء.

إن التحوّل في الأوضاع التي يجد الفرد فيها نفسه يبدأ من الداخل وليس من الظروف الخارجية. فالبرنامج الداخلي للوتس على سبيل المثال هو السبب المسؤول عن نمو كل مراحل حياة الزهرة – وليس المستنقع المحيط. كذلك الأمر في واقع الحياة الإنسانية: فالبرنامج الفكري الذي يعتمده الفرد هو السبب في ما يتولّد ضمنه من مشاعر ومن احساس بمدى إمكانياته.

كل شيء في مجرى حياة الفرد يتعلق بما يعتقده عن ذاته.

منطق الكلام من حقل الحكمة 🔗

“رغم أن التعاليم التي أنت بصدد تبيانها في حلبة نقاش – هي تعاليم تامة كاملة التطابق مع الحقيقة، فإنه لايجوز أن تعتمد ذلك لتبرر في تصرفك أي عجرفة أو عدم احترام للآخرين، أو بما يظهرك مغروراً أو فوقياً.

التصرف بغرور أو استعلاء تعبير عن وضاعة في القيمة.

لدى لقائك للحديث مع الآخرين، عليك أولاً بقيادة وتنظيم أفكارك، وكن حكيماً في كل تصرّف تقوم به.

تصرف بكرامة القيمة والرزانة. تكلّم بشكل رائق لدن العبور إلى أفكار السامعين. لتكن لهجتك راسخة ودافئة صوتاً منخفض الشّدة، ونظراً من عينين هادئتين، ملامحاً من الحيادية واتزان المنطق”

يعتبر الكلام السلاح الوحيد للإنسان المتجه إلى الإنارة في واقع حياته اليومية.

والكلام مرآة للفكر: فالعقل الصحيح يصدر التعبير والتصرف الصحيح، أي أن العوامل الثلاث: “فكر الحكمة – دفء الصوت – قيمة التصرف” وحدة منسبكة الإتساق ليس فيها تناقض. ويؤكّد هذا المقطع من رسالة لنيتشيرين إلى أتباعه حول أسلوب النقاش والحجّة – أن يكون التركيز على العقلانية والقلبية في الكلام باحترام للآخرين. فهدف النقاش هو تبيان جدارة الحكمة وذلك لمساعدة الآخرين، وليس لإثبات فوقية في الإدراك أولتحقيق رغبة “بالإنتصار على الغير”. والعقلانية في اسلوب الكلام تقتضي تدريباً وتنظيماً للفكر بما يمكّن المستمع استيعاب فحواه. ويكفي أن ينطلق الكلام من الإعتماد على روح الإنارة بهدف إزالة المعاناة وتحريض جو من الإدراك والإنسجام بين الناس.

قدسية الحياة 🔗

“الحياة أثمن من كل الكنوز.

إنّ يوماً واحداً من الحياة لأكثر قيمة من كنوز الأرض والسماء.

وحياة فرد واحد أعظم قيمة من مجرات الكون بكل مافيها من ثراء”.

يمكن ادراك قيمة حياة الفرد عبر مفهوم الترابط Interconnectedness بين وجوده ووجود الآخرين وارتباط الجميع أيضاً بالطبيعة المحيطة. وعبر هذة الرؤية يمكن إدراك لوحة بالغة العمق والمعنى.

فحياة أي انسان، كما نراها - بين الولادة والموت - ممكنة بسبب ما فيها من علاقات وأشخاص، بدءاً بالعائلة منذ الطفولة، وما حولها من ارتباطات وأفراد لاحصر لهم. وكل فرد في هذة اللوحة الحياتية المشتركة إنما حياة أيضاً مثله – بين ولادة وموت. أي أن حياتنا تشمل ضمنها حياة الكثيرين والذين لهم جذورهم تتشعّب في الأرض والزمن. وكل ماهو محتوى ضمن حياتنا موجود أصلاّ بفضل ترابط لايمكن الفكاك منه مع ظروف الطبيعة المحيطة، بمافيها من نباتات وكائنات ليس لها حصر، تدعمها الأرض التي تتغذى بطاقة الشمس وتتزن في حركتها ضمن الكواكب. هذا الثراء الهائل الأبعاد موجود ضمن حياة كل فرد.

بمعنى آخر، فإن حياة الكون بكل جبروته موجودة ضمن حياة الفرد، وإلّا فكيف يمكن للإنسان إدراك الظواهر الطبيعية إذا لم يكن لها انطباع داخلي في مجال فكره الخاص والذي بدونه لايمكن إدراك أي شيء؟ إن الموجودات (من كائنات حية وظواهر طيعية) تبدو خارجية عن جسم الفرد ولكن حياة الفرد ليست جسماً فقط بل وفكراً ومشاعراً تنسبك في لوحة من الترابط الشامل الأبعاد.

إزالة الحماقة الطبقية وهزيمة التفرقة الإجتماعية 🔗

" أنا، نيتشيرين، ابن عائلة من المنبوذين (*) تحيا في قرية صيادي السمك قرب مقاطعة توجو في الساحل الشرقي لليابان.

ولكن عبر سوترا اللوتس تغيّرتُ من كيان لافائدة منه إلى كيان من الإنارة العليا للحياة، كما لو أنني بذلك قد قايضت بحجارة لافائدة منها جبالاً من ذهب وعالماً من ثراء هائل المقدار.”(**)

كان المجتمع الذي ولد فيه نيتشيرين قائماً على التمييز الطبقي والتفرقة الإجتماعية حيث كانت قيمة الفرد فيه - دون اكتراث لكرامته - رهناً بمستوى العائلة الماديّ ومكانتها الإجتماعية. وكان هذا الإعتقاد بأحقية إستعلاء بعض الناس على غيرهم وادّعائهم الشخصي بالنبل والرفعه – واسع الإنتشار وسبب في استخفاف السلطات بما قدّمه لها نيتشيرين من كتابات هامّة تمسّ وضع المجتمع.

تهدف البوذية إلى إزالة المعاناة الإنسانية، فقد ترك البودا التاريخي شاكياموني الطبقة النبيلة التي ولد فيها وفضّل حياة الفقر والممارسات الروحية. وأعطى نيتشيرين بعداً جديداً في تاريخ البوذية في ولادته في عائلة من المنبوذين، مقدّماً مثالاً للناس أن قيمة الإنسان الحقيقية تكمن ليس في مستواه الإجتماعي بل في حكمته ومقدرته على مساعدة ألآخرين.

ويشير نيتشيرين إلى أنه بدون تعاليم اللوتس إنما هو جسد زائل لافائدة منه، وأن اتباعه لروح سوترا اللوتس كان بمثابة تغيير وجوده الضئيل إلى كيان من الحكمة الكونية الثراء والقيمة.

المساواة وإزالة استعلاء السلطة الروحية للكهنة 🔗

“لقد اتخذت عهداً من قاع القلب أن أجعل كل الناس في حقل الإنارة مثلي بدون أي فارق بيننا”.

في الفصل الثالث من سوترا اللوتس يظهر هذا البيان من البودا حول ارادته أن لايكون هناك أي فارق بينه وبين أي إنسان.

وخلافاً لعديد من التقاليد التي تجعل من البودا كياناً خارقاً للوجود، أو تعطيه صفات عليا – فإن البوذية النيتشيرينية تبيّن أن كل فرد في الواقع قادر على الوصول إلى نفس المستوى الروحي والفكري كما توصّل إليه البودا – دون وجود فارق يمنع من ذلك.

وليس في البوذية النيتشيرينية التي تعتمد تعاليم اللوتس سلطة روحية خاصّة لأي شخص أو تمييّز خاص، وليس فيها سلطة للكهنة، بل إن الإتصال بين الفرد العادي وروح الكون إتصال مباشر عبر الإنشاد (نام ميوهو رنكة كيو).

فقانون الوجود - ميوهو رنكة كيو – يعمل ضمن حياة كل الناس، ووعي الفرد لهذا القانون الكوني يجعله في نفس حقل الإنارة الذي وصل إليه غيره دون أن يكون هناك أي تمييز روحي.

وتتميّز الممارسات النيتشيرينية عن غيرها من الطقوس التقليدية – بكونها تركز على روح القانون (الكوهونزون) وليس على شخص البودا التاريخي (أو تمثاله).

تكامل الجانب المادي والجانب الروحي للحياة 🔗

“يمكن للمرء أن يعبّر عما يدور في ذهنه عبر إصدار الكلام. أي أن أفكار المتكلم تجد في الصوت أداة للظهور في الواقع.

يمثّل الفكر الحقلَ الروحي والمعنوي ويمثّل الصوت الحقلَ الفيزيائي المادّي. وهكذا فإن الجانب الروحي للمرء يتجلّى في الواقع المادي عبر الصوت.

بذلك يمكن لنا أن ندرك محتوى فكر الآخر من خلال الإستماع كنه صوت المتكلّم إصداراً من العالم الداخلي له. وهذا ممكن لأن الجانب الفيزيائي في ظاهرة الصوت قادر على نقل وإظهار الجانب الروحي للفكر”.

لظاهرة الكلام معنى فلسفي عميق: فالإهتزازات الصوتية مادّية بطبيعتها، وهي تنتقل عبر الواقع الفيزيائي حاملة ضمنها معلومات حول العالم الفكري للمتكلّم وأيضاً حول الحقل الشعوري العاطفي له. نحن قادرون على معرفة هل الشخص الذي يصدر الكلام حكيم أو أنه أحمق - من خلال مايحمله الصوت عن فكره الذي قد أفرز الكلمات. كذلك نحن قادرون على معرفة وضع المتكلم العاطفي ومشاعره من حزن أو سعادة مثلاً – عبر سماعنا لإهتزازات صوته.

بذلك فإن الصوت يكامل الحقلين: الفيزيائي المادّي والفكري الشعوري. لذلك فاستخدام الصوت لدى الإنشاد هو عملية توّحد الجسم والفكر معاً باتجاه الإنارة.

إن كلامنا من حقل الإخلاص والقلبية يحمل مشاعر المودّة الدافئة إلى حياة المستمع. واختيار كلام العقلانية والحكمة يفعل تغييراً في فكر المستمع و يسبب جوّاً من الإنسجام والدعم ينعكس في شعور من الرونق والفائدة المشتركة.

الحل الأكيد لصعوبات الحياة 🔗

“إن الوسيلة الرائعة لوضع حدّ حقيقي للعقبات المادّية والروحية في حياة الفرد ليست سوى في انسجام حياة الفرد مع قانون الحياة: نعم ميوهو رنكة كيو”.

حين نجابه مشكلاً ذو ثقل أوأهميّة في سياق الحياة) وكذلك لدى حصول حادث ما(، فإن أول مايتبادر في الفكر هو التساؤل: “لماذا؟ ما هو السبب فيما حصل؟” أي أننا ندرك بالفطرة أن ما يحصل من نتائج في الواقع الحالي لابدّ وأن يكون له ما نجهله أحياناً من سبب قد أدّى إليه.

وقانون السببية واضح، يمكن مراقبة تأثيره مباشرة في الطبيعة والظواهر الفيزيائية. وهو مجال دراسة العلوم. وبفضل حتميّة هذا القانون فإنه يمكن تصميم التجهيزات والأدوات التي تعمل باعتماديّة وبما هو لها متوقّع مفيد.

تعمم التعاليم النيتشيرينية مبدأ عمل قانون السببية على كلا الحقلين المادي والمعنوي. ويمكن اعتبار الدوافع والأفكار أسباباً تؤدّي إلى نتائج نفسية لها تأثيرها المبتوت به حسبما يحدده قانون الحياة “ميوهو رنكة كيو”. فدوافع الحنو والتعاطف تتجسّد في كلام وتصرفات تسبب الفائدة والسعادة، أما دوافع الأنانية والتكبّر فتتجسّد في كلام وتصرفات تسبب التفرقة والمعاناة. لذلك فإن الحكمة تقتضي التلازم والتفاني الصادق في الكون في انسجام مع قانون الحياة، والكائن إرادة الوجود في تنظيم معنى وقيمة الأفعال في المجال المادي والمجال الروحي. وهذا التلازم هو وضع يشار إليه ب"نام ميوهو رنكة كيو”.

أهمية التصميم في اللحظة الحاضرة 🔗

“كل الأمور في المستقبل تحددها قوّة التصميم والفعالية في هذة اللحظة الحاضرة.

الإرادة الصادقة والعمل الجاهد في الزمن الحاضر يحدد روح المستقبل.

عليك أن تتساءل بعمق: ماهو المستقبل الذي أنا أريد؟ ماهو المستقبل الذي أراه لحياتي؟ ماهي “الذات” في شخصي التي أنا مسؤول عن تطويرها؟

ماذا أريد انجازه في حياتي؟

عليك بتشكيل اللوحة الملونة التي تريد، وانحتها برغبة قلبية وبتفصيل لتحقيق وقائع من الكرامة والحكمة والقيمة”.

تختلف تعاليم اللوتس عن غيرها من المدارس الفلسفية، وبشكل خاص تلك التي تركن إلى الجمود والإعتقاد بأن المستقبل مقدّر مسبقاً. هناك مثلا طريقة التأمل الصامت وتعتمد الإستسلام الفكري – بينما يثير الإنشاد النيتشيريني في نفسية الفرد قدرات من الطاقة الكامنة وحقولاً من ثراء الفكر والتوق إلى الإنجاز.

والسبب في تركيز فلسفة اللوتس على وجوب الإتقاد في كل لحظة لبرمجة الوقت الحالي بما فيه من فائدة مستقبلية - هو أن كل فرد مجهز ضمنياً بالإمكانيات التي تضمن قيادته لحياته بما فيه الفائدة له وللآخرين المرتبط حياتياً بهم. وتحث فلسفة اللوتس على استخدام الرغبات بما يضمن خدمتها لحياة المرء في توليد رؤىً قيّمة ذات شغف ومعنى. إن التصميم على نحت حياة من الإزدهار والقيمة يبدأ في الزمن الحاضر ويلقي أثره الإيجابي على المستقبل، سبباً تتبعه النتيجة.

القدرات الخارقة لإنسان الإنارة 🔗

“كما أن نور الشمس والقمر

قادر على إزالة ظلام الكآبة والغموض

كذلك هذا الكائن الذي بزغ من حقيقة الوجود

في عبوره لما حوله من أحداث هذا العالم

قادر على إزالة الظلام وإبادة الجهل من حياة الناس.”

يظهر هذا الشعر في الفصل 21 من سوترا اللوتس “القدرات الخارقة للتاتاكاتا” – ويقصد بTathagata مفهوم ليس له ترجمة مباشرة - ويعني “ذاك الكائن الذي بزغ من الحقيقة” ويقصد به الإنسان الذي يجسّد سوترا اللوتس في واقع الحياة اليومية. والقدرات الخارقة لاتعني أن هناك قوى شخصية غير طبيعية لذاك الفرد بل إنها قدرات من حقل الحكمة والعقلانية والمقدرة على إيجاد الحلول التي تضمن إزالة التشنّج والضيق لإحلال راحة القلب والفكر في حياة الناس. ويشير نيتشيرين وضوحاً في كتاباته انه ماعدا الوصول إلى إنارة الفكر بقانون الحياة (“نام ميوهو رنكة كيو) ليس هناك أي قدرات خارقة أو فوق الطبيعة.

وفي شرحه لميتولوجيا سوترا اللوتس - العابقة بالصور الصادحة بانتصار الإنارة - يورد هذا المقطع الشعري على أنه وصف لفعالية وروح قائد البوديساتفا (الذي تعهّد بنشر تعاليم اللوتس في الزمن بعد رحيل البودا التاريخي).

وهذا ينطبق أيضاً على كل من يتبع تعاليم اللوتس في عبوره أوعبورها أحداث العالم الأليمة بقوة كما شعاع الشمس يلج حقل الغم والظلمة ويحيل فيها الإشراق والحبور.

الثقة بقيمة الذات 🔗

“كل شيء في حياتك يتعلق بما تظنه عن نفسك.

إن ثقتك بأهمية كيانك النابع من تعاليم اللوتس سيحدد كل ما أنت مقدم عليه. وهذا يستدعي منك الشجاعة التي أنت بها قادر على دحر فكر الجهل والدجل.

إن السيف لايجدي فعلاً في يد جبان ذليل. وهذة التعاليم من سوترا اللوتس سيف وسلاح يحوّل من يثق بها صدقا إلى مقاتل معدني الكيان لايقهر”.

أهم شيء في وجود الإنسان هو إدراكه لهويته وقناعته بمن هو كائن في واقع الحياة. ولكن شعور الشخص بهويته يتعلق بما يعتقده عن انتمائه الفكري والروحي، وهذا له محض اختيار شخصي.

إنّ رغبة الفرد في تجسيد حقيقته الداخلية التي يعتمدها لنفسه تستدعي الشجاعة في دحر ما يقاومها من أفكار مضادة تهدف إلى إخضاعه. وهذة هي في الواقع حقيقة تاريخ البشرية عموماً والتي تبيّن أحداثها سجلاتٍ من الإقتتال والصراع لأجل السيادة فيما بينها. أما في حال الفرد العادي، فإن هذا الصراع يتخذ شكل المقاومة الداخلية بين شتى الأفكار التي يتشربها الفرد من المحيط. ولكن، بما أن تعاليم سوترا اللوتس تكثيف لخبرة الإنسانية في إدراك القوى الحقيقية التي تضمن حتماً النتائج ذات القرار والفائدة – لذلك فإن الثقة بالذات المبنيّة على تعاليم اللوتس والرغبة الشجاعة في تجسيدها في الواقع الشخصي كافية لتحقيق انتصار يدحر أي عداء. لايمكن هزيمة قدرة الحياة والحكمة التي توفرها تعاليم نيتشيرين والتي هي سجلّ لقانون الحياة.

كل انسان زهرة حياة فريدة 🔗

“كما أن لكلٍ من أزهار الكرز والخوخ والبرقوق والمشمش صفاته الفريدة الخاصة به، كذلك فكل شخص كيان فريد في وجوده. إنه لايمكن للزهرة أو الفاكهة إلاّ وان تكون ذاتها - كما هي في طبيعتها.

كذلك إنه لايمكن لك أن تصبح شخصا آخر غير ماهو أنت أصلاً.

المهم هو أن نحيا صادقين مع أنفسنا ونقوم بالأسباب التي تؤدي إلى ازدهار وتفتح هذة الزهرة العظيمة التي هي حياتنا بالذات.”

كما أن النباتات والثمار والفاكهة تأخذ هويتها من كونها ذات خواص فريدة فيها موجودة كما هي أصلاً – كذلك لكل فرد ذاته المتكاملة والتي لاتحتاج إلى خواص إضافية خارجة عنه.

ليس الإنسان بحاجة أن يكون شخصاً غير ماهو عليه ضمناً.

تنفرد سوترا اللوتس بالإشارة إلى الأفراد العاديين وبشكل خاص البوديساتفا الذين يهدفون إلى الإنارة ب “النباتات الإنسانية” و"الزهور البشرية”، بما يحمل أيضاً معنى التفرد والذاتية كما هي الحال في تنوع النبات واختلافات الزهور وتعددها.

وإدراك المرء أن وجوده في الكون ليس له مثيل في الواقع كفيل بتغذية الشعور بأن حياته الشخصية نادرة وليس لقيمتها مقابل، وهذا إدراك يزيل من مشاعر المرء أي دونية أو نقص. كل فرد قيّم كما هو وليس بحاجة إلى التقليد أو الكون غير ماهو في قاع الواقع الصادق.

تحقيق الرغبات طريق للوصول إلى الإنارة 🔗

“أتمنى عمقاً أن يتقد أتباعي بالرغبة في بلوغ الإنارة”.

خلافاً للموقف الجامد الذي تمثّله بعض التقاليد البوذية حول موضوع الرغبات - تشجع فلسفة اللوتس على الطموح والإتقاد بالرغبات الإنسانية في توق إلى حياة تهدف إلى تحقيق انجازات ذات قيمة وفائدة مشتركة للجميع.

الرؤية الصحيحة حول الرغبات هي اعتبارها وقوداً ووسيلة لأجل تحقيق أمور ذات فائدة ومعنى – وليس اعتبارها هدفاً بحد ذاتها. فالرغبات الجسدية والروحية تتحوّل من كونها دافعاً ممتعاً إلى كونها قيداً من ارتباط وعبودية - في حال سيطرتها على دوافع الإنسان بما يعيق تقدمّه وبما يؤثّر على الآخرين. ولكن الملام في هذا الوضع ليس الرغبة بحد ذاتها وإنما ضعف السيطرة لتوجيهها باتزان وبما فيه الفائدة اللاحقة للجميع.

وأعلى الرغبات أهميّة هي الرغبة في الوصول إلى حقل الحكمة والتعاطف الإنساني. وضمن هذا الحقل لايمكن لأي دافع أو اتجاه أن يستعلي أو يسيء. فحين تقود العقلانية فكر المرء، ينجم أن كل ما يقوم به أو يخطط له للإنجاز سوف يساهم في تحسين في وقائع حياته وحياة من هم في ارتباط معه او معها. تشجع فلسفة اللوتس على إيقاد الشغف بحياة من الإنجازات القيمة المفيدة وعلى اكتشاف آفاق من الأمكانيات التي تمكن من تطوير الحياة إلى ماهو أفضل للشخص وللآخرين في جو من الترابط و الإنسجام.

قيمة الوجود كإنسان 🔗

“إن روح الفكر الإنساني قابلة للإتساع والنمو بعمق وثراء كما لو كانت كوناً داخليا يتمدد ويزدهر باضطراد وانتشار. وضمن هذة النظرة يكون من المؤسف جداً أن يقلل الإنسان من شأن حياته أو يشكك في قيمته. لذلك، مهما حدث وجابهت من تحديات، ثابر على توسيع مجال كونك الداخلي. أنت مجهّز بالقدرة على إيجاد الحل المناسب لأي مشكلة، ولديك ضمناً الإرادة والأمل والإمكانيات”.

في حين ترى النظرة السطحية حياة الإنسان على أنها محدودة أو غير ذات شأن، تبيّن تعاليم اللوتس أن قيمة الحياة الشخصية لاتقدر عمقاً واتساعاً. هناك كثير من الأفراد الذين استطاعو عبر منجزاتهم تقديم الفائدة للإنسانية ليس لأنهم ذو ميّزات مختارة خاصّة بهم، بل لأنهم أدركو ضمناً أن حياتهم ذات معنى وقيمة.

ولايمكن بالطبع أن نقدّم خيراً وفائدة حولنا إذا بدأنا من الإعتقاد بدونية حياتنا أو محدوديتها. الشعور بالصغر ليس تواضعاً بل تهرباً من الرغبة في النمو.

ولربما يتساءل المرء ياستغراب وعدم تصديق حول نفسه: هل من الممكن حقّاً أن أكون بهذة القيمة؟ ولكن السؤال الحقيقي ليس “هل من الممكن لي؟” بل هو “هل أنا أريد؟” - هل تريد أن ترى ذاتك الحقيقية كوناً من القيمة والمعنى ومصدراً للفائدة والنضج؟

كل فرد مجهز منذ الولادة بالإمكانيات والقدرات التي تمكنه أو تمكنها من معالجة الصعوبات بعقلانية ومتانة تؤدي إلى الحل الأفضل، تعبيراً عن سعة الفكر الداخلي والثقة بقدراته الكامنة.

الشعور بالهدف يحدد قيمة الحياة 🔗

“عندما ينبض قلب الإنسان بدفء الإحساس بالهدف، يأخذ عالمه الداخلي المعنى والإتجاه. ماهو أقيم اتجاه؟ أسمى الغايات قيمة هو العمل لأجل سعادة ورفاهية الآخرين، بما يفتح أمامنا طريقا تزدان فيه حياتنا بأكبر قدر ممكن من التألق والقيمة. هذا مااشار إليه نيتشيرين حين قال أن من أشعل ناراً ليضيء للآخرين طريقهم في دغل يعبرونه إنما يضيء طريقه معهم في آن واحد”.

يشير نيتشيرين في تعاليمه إلى أن الحبور الحقيقي هو أن يشعرالإنسان والآخرين معاً بالحبور، وأنه لايمكن لنا بناء سعادتنا عبر أفعال تتسبب بمعاناة الغير. ليس العمل على نشر السعادة في حياة من هم في ارتباط مع حياتنا بشيء خارق أو إضافي، بل هو طبيعي لأن مبدأ الترابط Interconnectedness حقيقة أساسية في مسار حياتنا منذ الولادة. وفي الواقع نحن مدينون للكثيرين بما استطعنا نيله من دعم وعون في شتى المجالات. تشجع فلسفة اللوتس على توجيه الحياة باتباع ما تثيره الإحساسات القلبية للفرد من رغبة لتحقيق هدفه. وبما أنه ليس بالإمكان تحقيق أي شيء من دون وجود الآخرين، لذلك لابد من اتخاذ موقف حازم يمنع الدوافع الأنانية من تخريب نتيجة الجهود المبذولة والتسبب بالإساءة إلى الآخرين. وتنص التعاليم أن أصل الشرور ينبع من ثلاثة دوافع: الطمع – التكبّر- الحماقة (والتي تنجم عن عدم فهم قانون السبب والنتيجة). ومنبع السعادة المشتركة هو في التصرف بالحكمة والكرامة والقيمة.

الإنارة حقل ضمني في كل إنسان 🔗

“الإنارة مصدر دوافع الخير والسعادة والحكمة. وفي حال غيابها عن الوعي ينجم الجهل، مصدر دوافع الشر والمعاناة والحماقة. هذة الدوافع والمشاعر المتناقضة موجودة في ضمن الإنسان نفسه. أي ليس هناك شخص يحتوي فكره الخير والحكمة فقط وشخص يحتوي فكره الشر والحماقة فقط”.

يمكن لنفس الشخص أن يتصرف إمّا بحكمة أو بحماقة - أي إما بإنارة أو بجهل (حسب التأثير الذي يشّغل تفكيره). لذلك فمن الخطاء الحكم النهائي على شخص مثلاً بأنه شرير بل يجب الحكم على تصرفه فقط بأنه شرير (إن كان كذلك). فالإنارة والجهل (أو الخير والشر) – مترابطان لأن أحدهما نقيض وجود الآخر. هناك رأي مخالف في النظرة إلى موضوع الخير والشر يدعى بالثنائية Dualism.

والتي تعتبر أن هناك خير مطلق وشر مطلق منفصلان عن بعض. بينما يُدعى مبدأ ترابط المتناقضات باللاثنائية NonDualism أي أن الخير والشر قطبين متعاكسين طبعاً ولكن ليسا مستقلين عن بعض لأن وجود أحدهما يستدعي نفي الآخر. ففي وضع الجهل والمعاناة في حياة الفرد هناك إمكانية ضمنية لتغيير هذا الوضع إلى نقيضه من إنارة وسعادة.

ومن الخطأ الظن أن حقل الإنارة (الخير) مستقل وخارج عن الإنسان – بل له وجود ضمني (كإمكانية يمكن بلوغها وتجسيدها). ووجود حقل الإنارة كإمكانية في كل فرد هو أساس التحية المعتادة بكلمة “نماسته” Namaste في تقاليد اليوغا وغيرها والتي تعني “أرى الإنارة ضمنك” أو"انحني تقديراً للإنارة في داخلك".

العوالم العشرة 🔗

“تشير سوترا اللوتس إلى المجال النفسي للمشاعر والإدراك على أنه طيف من عشرة حقول موجودة فطرياً في كل إنسان”.

يمكن تصنيف الحالات النفسية المتعددة التي يحياها الفرد على أنها: إما مشرقة وايجابية (مساعدة له لبلوغ الإنارة) - أو هي في وضع دوني من ضعف وألم. وحين يحيا الفكر أحد هذة الحالات النفسية ينطبع تأثيرها على كل مشاعر ورؤى الفرد بل وحسبها يفسّر العالم الضمني في أفكاره والعالم الخارجي حوله.

هناك حقول نفسيّة أ(ي عوالم داخلية) دونية نحياها - مثلا من خوف وإحباط وعدم ثقة - حين نكون عاجزين أمام أحداث الواقع. وهناك حقول أو عوالم عليا من إدراك وقوة وقيمة نحياها حين نكون في قوة حياة مرتفعة وحريّة من التأثر المفرط بالمحيط. وأدنى وضع نفسي هوعالم الكآبة والإحباط وفقدان معنى الحياة – وهو عالم المعاناة الجحيمية الأليمة Hell. يلي ذلك في سلّم المشاعر عالم الجوع إلى تلبية الرغبات الحياتية Hunger. وحين لا نجد تلبية لوضعنا النفسي يشعر الفرد بالغضب والإستياء Anger . وكما في حال الحيوان، يشعر الإنسان بالخوف والهجومية في عالم الحيوانية Animality. وأعلى من ذلك شعورا هو عالم الهدوء واستخدام العقل Tranquillity. وحين نجد تلبية من ظروف الواقع لمتطلباتنا نحيا عالم الحب والفرح Rapture . وفي هذا المجال من هذة العوالم النفسية تكون مشاعرالفرد متأثرةً بالمحيط والظروف الخارجية.

ولكن هناك عوالم نفسية نابعة من إرادة الفرد وقوة حياته: الإتقاد في الرغبة في التعلّم Learning وأيضاً عالم الإدراك والإنجازاتRealization . وأكثر الأوضاع النفسية قرباً من الإنارة هو عالم البوديساتفا Bodhisattvaأي حقل اندفاعات التعاطف ومساعدة الآخرين، وصولاً إلى عالم الإنارة: Enlightenment الحقل الأعلى للحكمة والقدرة والسعادة الحقيقية.

ترابط العوالم النفسية وإمكانية تحويلها إلى الإنارة 🔗

“تنفرد سوترا اللوتس بتمكين تعاليمها أي إنسان بلوغ أعلى حالات الفكر والشعور: حقل الإنارة - في ضمن الحياة الحالية”.

خلافاً للتعاليم السابقة لفلسفة اللوتس، والتي تنصّ على أن وضع الإنارة يقتضي التدريج في الممارسات عبرعدد من الحيوات للوصول إليه – تبيّن تعاليم اللوتس أنه بإمكان أي فرد الإستمتاع بأعلى حالات الفكر والمشاعر خلال حياته أو حياتها الحالية.

ففي الواقع، يتوجب رؤية “طيف العوالم العشرة” أو “طيف المشاعر” لدى الفرد على أنه مجموعة حقول مترابطة ضمنياً : Mutual Possession . فكما نعلم، حين يسيطر عالم الغضب Anger على تصرفات شخص ما، فإن هذا الوضع لايستمر دونما حدود، إذ لابد وأن يتلاشى ليظهر بعده مثلا حال آخر كالهدوء Tranquillity، أو لربما يتفاقم الوضع من الغضب إلى العنف Animality – وهو العالم الذي كان (أثناء وقت تواجد العالم الأسبق له) كامناً ضمنيّاً كإمكانية لاحقة.

وكل من العوالم العشرة المذكورة (وضمنها الإنارة) يحوي ضمنه الحالات الأخرى بشكل إمكانية (أو احتمال كامن ضمنه). وفي لحظة واحدة من الزمن هناك عالم واحد فقط يسود الجو الداخلي – ولكنّه يتلاشى فيما بعد ليحل محله عالم آخر، لأن طيف المشاعر ليس فيه انفصال.

ومن خلال مبدأ الترابط بين ساحات الشعور النفسيّة يظهر إذن أنه ليس هناك من مانع لوضع الإنارة من البزوغ والكون سيداً على كل الحقول النفسية الأخرى، ولكن هذا يتطلبّ جهداً ومثابرة وتصميماً في ممارسات متتالية تسودها الحكمة ومشاعر التعاطف - مما يجسّد بلوغ حقل الإنارة ضمن الحياة الحالية.

الإستفادة من دعم الظروف الخارجية لأجل الإنجاز 🔗

“إن ذبابة الفرس الزرقاء، إن هي قد تمسّكت بذيل حصان أصيل، يمكن أن تسافر ألآفاً من الأميال. كذلك مثال اللبلاب الأخضر الذي يلتف على شجر الصنوبر الطويل، يمكنه أن يتسلق وينمومع الجذع عالياً بشموخ”.

كما هو الحال في مثال ذبابة لاتملك القدرة على قطع مسافة صغيرة بسبب ضعفها، لكنّها تتمكنّ مع ذلك من السفر مسافات شاسعة إن هي قد تمسّكت بذيل حصان قوي العدو. كذلك الفرد يمكن له تحقيق إنجازات كبرى على الرغم من ضعف موارده وإمكانياته إن هو قد استفاد من دعم القوى المساعدة في المحيط.

وتأكيداً لمغزى هذا المثال يشير نيتشيرين الى كيف ينمو البلاب الأخضر (والذي لايستطيع حمل أوراقه بنفسه) متسلقا عالياً عن الأرض إذا ارتبط بجذع شجرة شامخة.

لايمكن فصل فعالية المرء عن المحيط - والذي يمكن أن يكون له عوناً. ويورد نيتشيرين في رسالة أخرى مثال الطيورالمهاجرة التي تسافر مسافات شاسعة. فالطيور المهاجرة ليس لها بحد ذاتها قدرة عضلية خاصّة بها تمكنها من التحليق عبر القارات، بل يكمن نجاحها في الطيران البعيد في استخدامها لتيارات الهواء لتحملها إلى هدفها. كذلك يمكن للفرد أن يحقق انجازات كبرى في حياته ليس فقط بالإعتماد على قدراته الشخصيّة بل بمعونة قدرات المحيط التي تتوافر بعطاء لمساعدته حين يكون في عزم ووضوح في الهدف. والمهم في تصميم الفرد على فعاليته هو أن يكون الهدف ذو قيمة للآخرين، وذلك لأجل أن يهّب الآخرين وظروف المحيط لمساعدته في لوحة مشتركة من اتساق وانجاز.

القيمة في الصمود والتصميم 🔗

“إنه حين تجابه العواصف العاتية وحين يحاول الناس كبح تقدمك – عند ذاك الوضع يأتي تصميمك إلى المقدمة ليبتّ في رسوخك طوداً من القيمة”.

القوى السلبية المعادية للنمو تكمن في ضمن كل فرد كما هي توجد أيضاً في المحيط. وحين يركن الفرد إلى وضع الإنفراد والخمود عن الفعالية في المحيط، عندئذ تستكين القوى السلبية المعاكسة لنموه، إذ لاتجد تهديداً مضاداً لرغبتها في التسلط على حياته وتقييد مساره.

ولكن حالما يصمم الفرد على القيام بأخذ زمام القيادة على مسار حياته، أو يعلن ثورته على الضغوط النفسية التي تقيّد مشاعره ورغباته الشخصية – عند ذاك تثور زوابع الهيمنة والتسلّط من قبل من يمثّلها في حقل حياته. ولهذة القوى السلبية أيضاً انطباعات داخلية ضمن كل فرد يتشربها من تأثير المحيط وتصبح بحد ذاتها اندفاعات ضمنيّة تخريبية معاكسة للنمو والتطور.

إنه من السهل معرفة مصدر القوى الخارجية التي - لأسباب خاصّة بها - تحاول كبح حريّة الفرد. على أن مجابهة القوى الداخلية المعيقة للتقدم في ضمن الإنسان نفسه تشكّل العقبة الأساسيّة التي يجب تجاوزها مهما كان الجهد يتطلّب ذلك.

تنجم هذة القوى السلبية من أفكار الجهل والدونية، فهي من مجال فكري بدائي لايدرك وجود إمكانية حقل الإنارة ضمن حياة الفرد. وبذلك لايجد الفرد أساساً للثقة بقدراته وبقيمة حياته، فتصبح نفسيته مجالاً لأفكار الضعف والإنهدام. وفي ضوء فلسفة اللوتس، فإن القيمة الحقيقية لحياة الفرد تزدهر في إنارته للكهف الداخلي لأفكاره ليشكل منه حقلاً من النصوع والإشراق يكسح وهم الضعف ويجسّد حياة من المعنى والقيمة.

“من الآن فصاعداً” - مبدأ “الحرية من قيود الماضي” 🔗

“كل يوم بداية جديدة. استمر في التقدم والتطلع إلى المستقبل بإرادة وتصميم. اجعل من اللحظة الحالية بداية المستقبل الذي تريد”.

تعتمد فلسفة اللوتس في الأساس على قانون التغيّر الدائم في ظواهر الوجود وعلى أن “كل حالٍ يزول”. لذلك فإن التعلق بالماضي - إن كان مصدره التغنّي بانتصارات سابقة أو كان بسبب الإرتباط بذكريات مؤثّرة – إنما تجذيف ضد تيار الزمن ومعاكسة لإرادة الوجود في التجدد المستمر.

وبشكل خاص فإن المحدودية والركون إلى الإكتفاء بإيجابيات الماضي سبب في خمول الهمّة وضعف في رغبة الإبداع أوسبر آفاق جديدة. وحتى إذا كان هناك شعور بعدم القناعة بالماضي فهذا يمكن أن يخدم في التحفيز والإصرار على إجراء تغيير في الوقت الحاضر لأجل مستقبل أفضل.

طالما أنه لايمكن للإنسان العودة إلى الزمن الذي قد انقضى، إذن ليس هناك من مجال للفعالية سوى الزمن الحاضر وما سوف يليه من مستقبل. وضمن هذا المنظور فإن كل يوم بداية جديدة. ولأجل أن يكون الفرد في انسجام مع قانون الوجود في التغيّر، لابدّ من التصميم على أن يعتبر المستقبل الحقل الأكثر أهمية واعتباراً.

يعتمد مبدأ “من الآن فصاعداً” على قدرة قانون السببية: إذ أن القيام بسبب أو بفعالية مباشرة في الزمن الحاضر لابد وأن يولّد نتيجة لاحقة متناسبة مع نوعية السبب. أي أن هذة اللحظة الحالية لها تأثير كبير على المستقبل.


.تم تعيين آخر مكان وصلتم اليه