للوهلة الأولى تبدو ظاهرة تقديس عدد من الحضارات لجمال زهرة اللوتس مثار تساؤل. فلماذا بزغت زهرة اللوتس عبر طقوس تكاد أن تكون متطابقة في الحياة الروحية لحضارات متباعدة، والتي لم يكن بينها أي اتصال؟

ولماذا أسبغ الراحلون منذ آلآف السنين على هذه الزهرة مغزى انسانّي المعنى؟ لا شك في أن هناك طبعًا الكثير من الزهور الجميلة في الطبيعة، ولكن وثائق التاريخ تولي اللوتس تميًزا وكأنها تعبير عن تفرد خاص، كالشمس في .السماء ليس لها من مقارنة.

وليس ذكر الشمس ببعيد عن اللوتس، فهي تفتح أوراق زهرتها في الصباح وتغلقها حين يأتي أوآن الغروب. وقد أدرك الراحلون عمقًا وجوديًا لزهرة اللوتس، وكأنها إشارة عن كنه خفي لدورة الحياة والموت والولادة من جديد، كما تشير إليه العقائد المسجلة بدأب .وبنصوص شعرية تفوح رونقًا وحبورا.

وما زالت زهرة اللوتس حاليًا مثار تقدير في عدد من المجالات الإبداعية في الفنون والعمران المعاصر، وأيضا في مجال الصناعة التي تستخدم خاصية مناعة أوراقها ضد التلوث بالمحيط في إنتاج سطوح تتصف بنقاء استثنائي.

ولربما اعتبرت خاصية النقاء الذي تبديه اللوتس - والتي تنمو في المستنقعات - وكأنها تتحدى تأثير المحيط الموحل حولها - إذ أنها بما حولها لا تتأثر. أليس هذا المغزى من قدرة اللوتس على الحفاظ على الصفاء دون اكتراث بشوائب المحيط ما يتمناه كل فرد يعيش في عالم من المساوئ والتحديات؟

ذلك ما تشير إليه أيضا كتابات الفلسفة الشرقيّة وبشكل خاص سجل "فلسفة اللوتس" - والذي هو مجال .اعتبار عالمي في مجال الفكر، وموضع تقدير كبير.

و يشير المعنى المفيد لتطبيقات "فلسفة اللوتس" في الواقع اليومي إلى مفاهيم بالغة الأهمية حول إمكانية الفرد الوصول إلى وضع الحرية من القيود النفسية وإلى الوصول إلى حالة الإنارة الفكرية. فأكثر ما في الوجود من فائدة يستنير بها الفكر هو معرفة كيف تؤدي الأسباب إلى تبعات ونتائج. فما هو كنه ذلك الرابط الخفي بين العمل الذي نقوم به حالياً ونتيجته المستقبليّة من سعادة أو معاناة؟

تشير زهرة اللوتس في مغزى تكوينها إلى قانون "ارتباط السبب بالنتيجة": حيث أنها تفرز البذور – والتي هي السبب في تواجدها – في نفس الوقت الذي تبلغ فيه النتيجة: والكائنة وجودها كزهرة متأججة كاملة. ويتطرق هذا الكتاب إلى ذكر المبادئ الفكرية والنفسية حول .إيحاءات فلسفة اللوتس في الواقع اليومي للفرد في اتجاهه إلى النمو باتجاه وضع الإنارة.

يطرح الكتاب أيضا سؤالا فلسفيًا حول موضوع الجمال بشكل عام، ذلك أن اكتشاف مستحاثات لزهرة اللوتس تعود إلى عشرات الملايين من السنين قبل ظهور الإنسان – يثير في الفكر التساؤل: هل يمكن اعتبار جمال زهور ما قبل التاريخ خاصيّة كونية لاعلاقة لها بانطباع الإنسان؟ وهل هذا الإعتبار يتناقض مع التعريف المتداول للجمال، كونه انطباعاً انساني المصدر؟

يسبر هذا الكتاب في عرضه للمواضيع المقدّمة فيه عدداً من المواضيع والحقائق المستندة إلى مراجع لاريب في صحتها. وكذلك، تشمل محتويات الكتاب الإشارة إلى حقو ٍل تتجاوز تقييدات المكان والزمان، بما يفتح آفاقاً وعوالماً من ثراء وقيمة ذات مغزى مفيد في الواقع النفسي للإنسان.